٤٢٦٩ - وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ قَعَدَ فِي حَوَائِجِ النَّاسِ فِي رَحَبَةِ الْكُوفَةِ، حَتَّى حَضَرَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ، ثُمَّ أُتِيَ بِمَاءٍ، فَشَرِبَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَذَكَرَ رَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ، ثُمَّ قَامَ فَشَرِبَ فَضْلَهُ وَهُوَ قَائِمٌ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ أُنَاسًا يَكْرَهُونَ الشُّرْبَ قَائِمًا، وَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
ــ
٤٢٦٩ - (وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ صَلَّى الظَّهْرُ، ثُمَّ قَعَدَ فِي حَوَائِجِ النَّاسِ) : أَيْ لِأَجْلِ حَاجَاتِهِمْ وَقَضَاءِ خُصُومَاتِهِمْ (فِي رَحَبَةِ الْكُوفَةِ) : بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْحَاءِ وَيُسَكَّنُ أَيْ: فِي مَوْضِعٍ ذِي فَضَاءٍ وَفُسْحَةٍ بِالْكُوفَةِ، فَفِي الْقَامُوسِ: رَحَبَةُ الْمَكَانِ مُحَرَّكَةً وَيُسَكَّنُ سَاحَتُهُ وَمُتَّسَعُهُ، وَفِي الْمُغْرِبِ: رَحَبَةُ الدَّارِ سَاحَتُهَا بِالتَّحْرِيكِ وَالتَّسْكِينِ وَالتَّحْرِيكُ أَحْسَنُ، وَفِي الصِّحَاحِ: رَحَبَةُ الْمَسْجِدِ بِالتَّحْرِيكِ سَاحَتُهُ، وَالْمَعْنَى اسْتَمَرَّ عَلَى قُعُودِهِ هُنَاكَ لِلنَّاسِ (حَتَّى حَضَرَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ، ثُمَّ أُتِيَ بِمَاءٍ) : أَيْ جِيءَ بِهِ (فَشَرِبَ) : أَيْ أَوَّلًا، وَلَعَلَّهُ كَانَ لِدَفْعِ الْعَطَشِ، فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الِاسْتِحْبَابِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَمَضْمُضُ وَبَلَعَ الْمَاءَ ; فَعَبَّرَ عَنْهُ الرَّاوِي بِقَوْلِهِ: فَشَرِبَ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ شَرِبَ أَوَّلًا حَتَّى يَدُلَّ عَلَى أَنَّ شُرْبَهُ الْأَخِيرَ قُصِدَ بِهِ الِاسْتِحْبَابُ، وَلَا يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ اتَّفَقَ لَهُ الشُّرْبُ بِنَاءً عَلَى عَطَشِهِ حِينَئِذٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَذَكَرَ) : أَيِ الرَّاوِي بَعْدَ قَوْلِهِ: وَجْهَهُ وَيَدَهُ ; (رَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ) : وَفَائِدَةُ الذِّكْرِ أَنَّ رَاوِيَ الرَّاوِي نَسِيَ مَا ذَكَرَهُ الرَّاوِي فِي شَأْنِ الرَّأْسِ وَالرِّجْلَيْنِ، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الرَّاوِيَ اللَّاحِقَ نَسِيَ تَفْصِيلَ قَوْلِ الرَّاوِي السَّابِقِ: أَنَّهُ هَلْ قَالَ: مَسَحَ رَأْسَهُ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ، أَوْ قَالَ: وَمَسَحَ رَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ كَمَا رُوِيَ عَنْهُ فِي رِوَايَةٍ؟ وَالْمُرَادُ بِمَسْحِ الرِّجْلَيْنِ غَسْلُهُمَا خَفِيفًا أَوْ عَبَّرَ عَنْهُ بِالْمَسْحِ تَغْلِيبًا أَوْ مِنْ قَبِيلِ: عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا أَوْ كَانَ لَابِسًا لِلْخُفِّ أَوْ أَرَادَ بِهِ تَجْدِيدَ الْوُضُوءِ، وَيَمْسَحُ أَعْضَاءَهُ لِيَكُونَ نُورًا عَلَى نُورٍ، أَوْ أَرَادَ التَّبْرِيدَ وَالتَّنْظِيفَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِمَا تَرْكُ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَسَائِرِ السُّنَنِ، وَسَيَأْتِي مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى، أَوْ قَالَ الرَّاوِي: وَرَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ عَطَفًا عَلَى الْمَغْسُولَيْنِ اعْتِمَادًا عَلَى الْفَهْمِ بِأَنَّ الرَّأْسَ يُمْسَحُ وَلَا يُغْسَلُ، وَاخْتَارَ الرَّاوِي الِاحْتِمَالَ الْأَخِيرَ لِيَتَخَلَّصَ مِنَ الْعُقْدَةِ بِيَقِينٍ. (ثُمَّ قَامَ) : أَيْ عَنْ مَكَانِ وُضُوئِهِ قَاصِدًا لِلصَّلَاةِ أَوْ لِمَكَانِهَا، (فَشَرِبَ فَضْلَهُ) : أَيْ فَضْلَ مَاءِ الْوُضُوءِ وَهُوَ بَقِيَّتُهُ. (وَهُوَ قَائِمٌ) : أَيْ وَهُوَ مُسْتَمِرٌّ عَلَى قِيَامِهِ. قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ: فَشَرِبَ عَطْفٌ عَلَى قَامَ، وَقَوْلُهُ: وَهُوَ قَائِمٌ حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ، وَإِنَّمَا جِيءَ بِهَا لِدَفْعِ تَوَهُّمِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ بَعْدَ الْقِيَامِ قَعَدَ فَشَرِبَ، (ثُمَّ قَالَ) : أَيْ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (إِنَّ أُنَاسًا) : أَيْ جَمَاعَةً (يَكْرَهُونَ الشُّرْبَ قَائِمًا) : وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: إِنَّ أُنَاسًا وَهُوَ لُغَةٌ فِيهِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: التَّنْكِيرُ فِيهِ لِلتَّحْقِيرِ ذَمًّا لَهُمْ - عَلَى مَا زَعَمُوا - كَرَاهَةَ الشُّرْبِ فِي حَالِ الْقِيَامِ، وَيَصِحُّ وُقُوعُهُ اسْمًا لِأَنَّ مَعْنَى التَّنْكِيرِ فِيهِ كَقَوْلِهِمْ: شَرٌّ أَهَرَّ ذَا نَابٍ، وَالْكَلَامُ فِيهِ إِنْكَارٌ وَقَوْلُهُ: (وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ) : وَفِي نُسْخَةٍ: إِنَّ النَّبِيَّ (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُ) : حَالٌ مُقَرِّرَةٌ لِجِهَةِ الْإِشْكَالِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} [البقرة: ٣٠] ، وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ زَعْمَ مَنْ أَثْبَتَ النَّسْخَ فِي الشُّرْبِ قَائِمًا لِأَنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَعَلَ ذَلِكَ بِالْكُوفَةِ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: إِنْ قُلْتَ مَا ذُكِرَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشُّرْبَ قَائِمًا لَمْ يُنْسَخْ، قُلْتُ: يَجُوزُ خَفَاءُ النَّهْيِ عَنْ عَلِيٍّ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: الْمَنْهِيُّ عَنْهُ الشُّرْبُ الَّذِي يَتَّخِذُهُ النَّاسُ عَادَةً اهـ. وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتِ النَّهْيُ عِنْدَ عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - أَوِ النَّهْيُ عِنْدَهُ لَيْسَ عَلَى إِطْلَاقِهِ ; فَإِنَّهُ مُخَصَّصٌ بِمَاءِ زَمْزَمَ، وَشُرْبِ فَضْلِ الْوُضُوءِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ عُلَمَائِنَا. وَجَعَلُوا الْقِيَامَ فِيهِمَا مُسْتَحَبًّا وَكَرِهُوهُ فِي غَيْرِهِمَا، إِلَّا إِذَا كَانَ ضَرُورَةً، وَلَعَلَّ وَجْهَ تَخْصِيصِهِمَا أَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي مَاءِ زَمْزَمَ التَّضَلُّعُ وَوُصُولُ بَرَكَتِهِ إِلَى جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ، وَكَذَا فَضْلُ الْوُضُوءِ مَعَ إِفَادَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ طَهَارَةِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ، وَكِلَاهُمَا حَالَ الْقِيَامِ أَعَمُّ، وَبِالنَّفْعِ أَتَمُّ، فَفِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِابْنِ الْهُمَامِ: وَمِنَ الْأَدَبِ أَنْ يَشْرَبَ فَضْلَ مَاءِ وُضُوئِهِ مُسْتَقْبِلًا قَائِمًا ; وَإِنْ شَاءَ قَاعِدًا اهـ.
وَظَاهِرُ سِيَاقِ كَلَامِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ الْقِيَامَ مُسْتَحَبٌّ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ. وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: مِمَّنْ رَخَّصَ فِي الشُّرْبِ قَائِمًا عَلِيٌّ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَعَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَأَمَّا النَّهْيُ فَنَهْيُ أَدَبٍ وَإِرْفَاقٍ لِيَكُونَ تَنَاوُلُهُ عَلَى سُكُونٍ وَطُمَأْنِينَةٍ، فَيَكُونُ أَبْعَدَ مِنَ الْفَسَادِ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute