أَوْ حَالٌ مِنَ الْفَاعِلِ فَقُدِّمَ اهْتِمَامًا لِشَرْعِيَّةِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الدِّينِ أَوِ اخْتِصَاصًا رَدًّا لِزَعْمِ مَنْ لَا يَرَى جَوَازَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ قَدَرَ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَوَاتٍ كَثِيرَةً بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ لَا تُكْرَهُ صَلَاتُهُ إِلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَيْهِ الْأَخْبَثَانِ، كَذَا ذَكَرَهُ الشُّرَّاحُ، لَكِنْ رَجَعَ الضَّمِيرُ إِلَى مَجْمُوعِ الْجَمْعِ الْمَذْكُورِ وَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ يُوهِمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ قَبْلَ الْفَتْحِ، وَالْحَالُ إِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَالْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ إِلَى الْجَمْعِ فَقَطْ تَجْرِيدًا عَنِ الْحَالِ فَإِنَّهُ بَيَانٌ لِلْقَضِيَّةِ الْوَاقِعَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَغَايَتُهُ أَنَّهُ يُفِيدُ اسْتِمْرَارَ حُكْمِ الْمَسْحِ إِلَى آخِرِ الْإِسْلَامِ فَيَنْتَفِي تَوَهُّمُ نَسْخِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
وَلَعَلَّ الْمُنَاسَبَةَ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَالْبَابِ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا أُرِيدَ الْقِيَامُ إِلَى الصَّلَاةِ لَا يَجِبُ الْوُضُوءُ عَلَى مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ ظَاهِرِ الْآيَةِ، وَلِذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «عَمْدًا صَنَعْتُهُ يَا عُمَرُ» ) وَقَالَ الْعُلَمَاءُ: تَقْدِيرُ الْآيَةِ إِذَا أَرَدْتُمُ الْقِيَامَ إِلَى الصَّلَاةِ وَأَنْتُمْ مُحْدِثُونَ فَاغْسِلُوا إِلَخْ. وَأَمَّا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ حَجَرٍ مِنْ أَنَّ وُجُوبَ الْوُضُوءِ كَانَ لِكُلِّ فَرْضٍ وَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ، ثُمَّ نُسِخَ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَبَعِيدٌ مِنَ السِّيَاقِ وَاللِّحَاقِ، مَعَ إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَيَرُدُّهُ أَيْضًا حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute