٤٣٩٦ - وَعَنْ بُرَيْدَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِرَجُلٍ عَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ شَبَهٍ: " مَا لِي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ الْأَصْنَامِ؟ " فَطَرَحَهُ، ثُمَّ جَاءَ، وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ، فَقَالَ: " مَا لِي أَرَى عَلَيْكَ حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ؟ " فَطَرَحَهُ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مِنْ أَيِّ شَيْءٍ أَتَّخِذُهُ؟ قَالَ: " مِنْ وَرِقٍ وَلَا تُتِمَّهُ مِثْقَالًا» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَقَالَ مُحْيِي السُّنَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَدْ صَحَّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي الصَّدَاقِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِرَجُلٍ: " «الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» "
ــ
٤٣٩٦ - (وَعَنْ بُرَيْدَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِرَجُلٍ عَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ شَبَهٍ) : بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ شَيْءٌ يُشْبِهُ الصُّفْرَ، وَبِالْفَارِسِيَّةِ " يُقَالُ لَهُ: بَرْبَخُ سُمِّيَ بِهِ لِشَبَهِهِ بِالذَّهَبِ لَوْنًا. وَفِي الْقَامُوسِ: الشَّبَهُ مُحَرَّكَةٌ النُّحَاسُ الْأَصْفَرُ وَيُكْسَرُ. (مَا لِي) : مَقُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ، وَنَسَبَهُ إِلَى نَفْسِهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْمُخَاطَبُ أَيْ مَا لَكَ (أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ الْأَصْنَامِ؟) ; لِأَنَّ الْأَصْنَامَ كَانَتْ تُتَّخَذُ مِنَ الشَّبَهِ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ. (فَطَرَحَهُ) : أَيِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا سَيَأْتِي أَوِ الرَّجُلُ بِنَفْسِهِ (ثُمَّ جَاءَ، وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ: فَقَالَ: مَا لِي أَرَى عَلَيْكَ حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ؟) : بِكَسْرِ الْحَاءِ جَمْعُ الْحُلِيِّ أَيْ زِينَةَ بَعْضِ الْكُفَّارِ فِي الدُّنْيَا أَوْ زِينَتَهُمْ فِي النَّارِ بِمُلَابَسَةِ السَّلَاسِلِ وَالْأَغْلَالِ، وَتِلْكَ فِي الْمُتَعَارَفِ بَيْنَنَا مُتَّخَذَةٌ مِنَ الْحَدِيدِ، وَقِيلَ: إِنَّمَا كَرِهَهُ لِأَجَلِ نَتَنِهِ (فَطَرَحَهُ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مِنْ أَيِّ شَيْءٍ أَتَّخِذُهُ؟ قَالَ: " مِنْ وَرِقٍ) : أَيِ اتَّخِذْهُ مِنْ وَرِقٍ (وَلَا تُتِمَّهُ) : بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ مِيمِهِ الْمَفْتُوحَةِ أَيْ وَلَا تُكَمِّلْ وَزْنَ الْخَاتَمِ مِنَ الْوَرِقِ (مِثْقَالًا) : قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ تَبَعًا لِلْمُظْهِرِ: هَذَا نَهْيُ إِرْشَادٍ إِلَى الْوَرَعِ ; فَإِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الْخَاتَمُ أَقَلَّ مِنْ مِثْقَالٍ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنَ السَّرَفِ. قُلْتُ: وَكَذَا أَبْعَدُ مِنَ الْمَخِيلَةِ، وَذَهَبَ جَمْعٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى تَحْرِيمِ مَا زَادَ عَلَى الْمِثْقَالِ، لَكِنْ رَجَّحَ الْآخَرُونَ الْجَوَازَ، مِنْهُمُ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ، فَإِنَّهُ حَمَلَ النَّهْيَ الْمَذْكُورَ عَلَى التَّنْزِيهِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ) : أَيْ بِسَنَدٍ حَسَنٍ، بَلْ صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَقَدْ صَرَّحَ عُلَمَاؤُنَا مِنْهُمْ: قَاضِيخَانْ بِكَرَاهَةِ لُبْسِ خَاتَمِ الْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ، وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ صَاحِبِ الْإِبَانَةِ كَرَاهَتَهُمَا، وَعَنِ الْمُتَوَلِّي لَا يُكْرَهُ، وَاخْتَارَهُ فِيهِ، وَصَحَّحَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ فِي قِصَّةِ الْوَاهِبَةِ: " اطْلُبْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ " وَلَوْ كَانَ مَكْرُوهًا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ. قُلْتُ: سَيَأْتِي الْجَوَابُ عَنْهُ " قَالَ: وَلِخَبَرِ أَبِي دَاوُدَ: «وَكَانَ خَاتَمُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حَدِيدٍ مَلْوِيٍّ عَلَيْهِ فِضَّةٌ» . قُلْتُ: قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ كَانَ يَخْتِمُ بِهِ وَلَا يَلْبَسُهُ، ثُمَّ قَالَ: وَالْحَدِيثُ فِي النَّهْيِ ضَعِيفٌ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ لَهُ شَوَاهِدُ عِدَّةٌ إِنْ لَمْ تُرَّقِهِ إِلَى دَرَجَةِ الصِّحَّةِ لَمْ تَدَعْهُ يَنْزِلُ عَنْ دَرَجَةِ الْحُسْنِ، كَيْفَ وَقَدْ صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute