للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

السِّبْتِيَّةَ، وَهُوَ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا مُثْنَاةٌ مَنْسُوبَةٌ إِلَى السِّبْتِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هِيَ الْمَدْبُوغَةُ. قَالَ الْحَنَفِيُّ فِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ: وَإِنَّمَا اعْتُرِضَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهَا نِعَالُ أَهْلِ النِّعْمَةِ وَالسَّعَةِ.

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَلْبَسْهَا الصَّحَابَةُ، كَمَا أَفَادَهُ خَبَرُ الْبُخَارِيِّ أَنَّ السَّائِلَ قَالَ: رَأَيْتُكَ تَفْعَلُ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ لَمْ يَفْعَلْ أَصْحَابُنَا، وَعَدَّ هَذِهِ مِنْهَا.

أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ السَّائِلِ مِنْهُ أَنْ يَعْرِفَ مَا الْحِكْمَةُ فِي اخْتِيَارِهِ إِيَّاهَا وَمُوَاظَبَتِهِ عَلَيْهَا، مَعَ أَنَّ الصَّحَابَةَ مَا كَانُوا يَتَقَيَّدُونَ بِنَوْعٍ مِنَ اللُّبْسِ وَغَيْرِهِ إِلَّا مَا فِيهِ الْمُتَابَعَةُ، هَذَا وَفِي قَوْلِهِ: يَتَوَضَّأُ فِيهَا إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَحْتَرِزُ عَنْهَا اعْتِمَادًا عَلَى أَصْلِ طَهَارَتِهَا، أَوْ حُصُولِ الطَّهَارَةِ بِدِبَاغَتِهَا، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهَذَا مَنْ يَدَّعِي أَنَّ الشَّعَرَ يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ، وَأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهَا الدِّبَاغُ، وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِذَلِكَ اهـ.

وَظَاهِرُ إِطْلَاقِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَجُوزُ لُبْسُهَا فِي كُلِّ حَالٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ: يُكْرَهُ لُبْسُهَا فِي الْمَقَابِرِ لِحَدِيثِ بَشِيرِ بْنِ الْخَصَاصِيَّةَ قَالَ: «بَيَنَا أَنَا أَمْشِي فِي الْقُبُورِ وَعَلَيَّ نَعْلَانِ إِذَا رَجُلٌ يُنَادِي مِنْ خَلْفِي: يَا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ! إِذَا كُنْتَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ» . أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَاحْتَجَّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ، وَتَعَقَّبَهُ الطَّحَاوِيُّ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِخَلْعِهِمَا لِأَذًى كَانَ فِيهِمَا، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ: " «إِنَّ الْمَيِّتَ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ إِذَا وَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ» " وَهُوَ دَالٌّ عَلَى جَوَازِ لُبْسِ النِّعَالِ فِي الْمَقَابِرِ. قَالَ: وَقَدْ ثَبَتَ حَدِيثُ أَنَسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي نَعْلَيْهِ» ، قَالَ: فَإِذَا جَازَ دُخُولُ الْمَسْجِدِ بِالنَّعْلِ فَالْمَقْبَرَةُ أَوْلَى.

قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالنَّهْيِ إِكْرَامَ الْمَيِّتِ، كَمَا وَرَدَ النَّهْيُ عَنِ الْجُلُوسِ عَلَى الْقَبْرِ، وَلَيْسَ ذِكْرُ السِّبْتِيَّتَيْنِ لِلتَّخْصِيصِ، بَلِ اتَّفَقَ ذَلِكَ، وَالنَّهْيُ إِنَّمَا هُوَ لِلْمَشْيِ عَلَى الْقُبُورِ بِالنِّعَالِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالْحَالِ.

قُلْتُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمَشْيَ عَلَى الْقُبُورِ مَنْهِيٌّ بِالنِّعَالِ وَبِغَيْرِهَا، نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَشْيُهُ عَلَى الْقُبُورِ، فَنَبَّهَهُ بِأَمْرِ الْخَلْعِ عَلَى أَنَّ الْمَوْضِعَ مَوْضِعُ أَدَبٍ وَتَوَاضُعٍ، لَا مَكَانَ تَكَبُّرٍ وَاخْتِيَالٍ، فَعَالَجَهُ بِالضِّدِّ وَأَمَرَهُ بِالْأَمْرِ الْأَشَدِّ، وَهُوَ لَا يُنَافِي جَوَازَ لُبْسِهَا دَفْعًا لِلْحَرَجِ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) : وَكَذَا التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>