بَيْنَ الْمُرْسِلِ وَرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْثَرُ مِنْ رَجُلٍ. وَقَالَ الْمُظْهِرُ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْمَسُّ لَا يُبْطِلُ بِدَلِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: يُبْطِلُ بِلَمْسِ الْأَجْنَبِيَّاتِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ يُبْطِلُ بِالشَّهْوَةِ وَإِلَّا فَلَا (وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا) : أَيْ: مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَوْ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ (بِحَالٍ) : أَيْ: مِنْ أَحْوَالِ الطُّرُقِ (إِسْنَادُ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ) . قَالَ الطِّيبِيُّ: أَعْلَمُ أَنَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ سَمَاعَ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى، فَإِنَّهُ كَانَ تِلْمِيذَهَا (وَأَيْضًا) : أَيْ: لَا يَصِحُّ (إِسْنَادُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْهَا) . أَيْ: عَنْ عَائِشَةَ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدُ: هَذَا مُرْسَلٌ) : أَيْ: نَوْعٌ مُرْسَلٌ وَهُوَ الْمُنْقَطِعُ لَكِنَّ الْمُرْسَلَ حُجَّةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ (وَإِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ لَمْ يَسْمَعْ عَنْ عَائِشَةَ) . وَفِي نُسْخَةٍ: مِنْ عَائِشَةَ. قَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ الْمُحَدِّثُ: هَذَا كَلَامٌ لَا يَصِحُّ بِحَالٍ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَثِيرًا مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ سَمَاعِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَسَمَاعُ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ مِمَّا لَا مَجَالَ عِنْدَ عُلَمَاءِ أَسْمَاءِ الرِّجَالِ لِلْمُنَاقَشَةِ فِيهِ، وَيَبْعُدُ عَنِ التِّرْمِذِيَّ أَنْ يَقُولَ هَذَا الْقَوْلَ، مَعَ أَنَّ كِتَابَهُ مَمْلُوءٌ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ سَمَاعِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَالْعَجَبُ مِنَ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَعْزُوَ هَذَا الْقَوْلَ إِلَيْهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي كِتَابِهِ كَذَلِكَ بَعْدَ إِيرَادِهِ الْحَدِيثَ، وَإِنَّمَا فِي كِتَابِهِ تَرَكَ أَصْحَابُنَا حَدِيثَ عَائِشَةَ فِي هَذَا لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُمُ الْإِسْنَادُ بِحَالٍ، وَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الْعَطَّارَ الْبَصْرِيَّ يَذْكُرُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ قَالَ: ضَعَّفَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ الْقَطَّانُ هَذَا الْحَدِيثَ، وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيَّ يُضَعِّفُ هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَالَ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ: حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ يَعْنِي رَاوِيَ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عُرْوَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُرْوَةَ، وَقَدْ رَوَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبَّلَهَا وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» ، وَهَذَا أَيْضًا لَا يَصِحُّ، وَلَا نَعْرِفُ لِإِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ سَمَاعًا عَنْ عَائِشَةَ، وَلَيْسَ يَصِحُّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ اهـ.
فَتَوَهَّمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ: لَا يَصِحُّ عِنْدَهُمْ بِحَالِ الْإِسْنَادِ، إِسْنَادُ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَمَنْشَأُ هَذَا الْوَهْمِ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ عَلَّلَ الطَّرِيقَ الثَّانِيَ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَهُوَ طَرِيقُ التَّيْمِيِّ عَنْ عَائِشَةَ بِعَدَمِ صِحَّةِ سَمَاعِهِ عَنْهَا بِقَوْلِهِ: وَهَذَا لَا يَصِحُّ أَيْضًا، وَلَا نَعْرِفُ لِإِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيَّ سَمَاعًا عَنْ عَائِشَةَ، فَفَهِمَ الْمُصَنِّفُ مِنْهُ أَنَّ تَضْعِيفَ الطَّرِيقِ الْأُولَى أَيْضًا مُعَلَّلٌ بِعَدَمِ سَمَاعِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَغَفَلَ عَنْ نَقْلِهِ عَنِ الْبُخَارِيِّ فَإِنَّهُ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ مُعَلَّلٌ بِعَدَمِ سَمَاعِ ابْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عُرْوَةَ لَا سَمَاعِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ. وَقَالَ نَجْلُهُ السَّعِيدُ مِيرَكُ شَاهْ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَمَا ادَّعَى بَعْضُ مُحَدِّثِي زَمَانِنَا أَنَّ عُرْوَةَ هَذَا لَيْسَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَإِنَّمَا هُوَ عُرْوَةُ الْمُزَنِيُّ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْبَيْهَقِيَّ صَرَّحَ بِأَنَّهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَيُشْعِرُ بِهِ كَلَامُ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا اهـ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: عُرْوَةُ الْمَذْكُورُ هُنَا إِنْ كَانَ هُوَ الْمُزَنِيَّ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْحُفَّاظِ فَهُوَ لَمْ يُدْرِكْ عَائِشَةَ، وَإِنْ كَانَ هُوَ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَهُوَ ابْنُ أُخْتِهَا أَسْمَاءَ، وَهُوَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ التِّرْمِذِيِّ، فَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ ضَعَّفَ هَذَا الْحَدِيثَ لِكَوْنِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ رَوَاهُ عَنْ عُرْوَةَ وَهُوَ لَمْ يُدْرِكْهُ فَيَكُونُ مُنْقَطِعًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute