لَا تَنْحَسِمُ مَادَّتُهُ إِلَّا بِهِ، وَلِذَا قِيلَ: آخِرُ الطِّبِّ الْكَيُّ. (وَأَنَا أُنْهِي أُمَّتِي عَنِ الْكَيِّ) : وَلَعَلَّ النَّهْيَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْزِيهِ، فَإِنَّهُ مُبَالَغَةٌ فِي تَعَاطِي الْأَسْبَابِ، وَهُوَ لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ وَالِاعْتِمَادَ بِظَاهِرِهِ ; وَلِذَا خُصَّ فِي الْحَدِيثِ: مَنِ اكْتَوَى وَاسْتَرْقَى فَقَدْ بَرِئَ مِنَ التَّوَكُّلِ، وَلَمْ يَقُلْ مِنْ تَدَاوٍ، بَلْ قَالَ: " «تَدَاوُوا يَا عِبَادَ اللَّهِ ; فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ الْهَرَمُ» " عَلَى مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شُرَيْكٍ. وَجَاءَ حَدِيثُ النَّهْيِ عَنِ الْكَيِّ بِانْفِرَادِهِ عَلَى مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ عِمْرَانَ، وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ سَعْدٍ الظُّفُرِيِّ بِضَمٍّ، نَعَمْ إِذَا كَانَ الْكَيُّ مُتَعَيَّنًا فِي ذَلِكَ الدَّاءِ خَرَجَ عَنْ مَوْضِعِ الْكَرَاهَةِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا وَقَعَ لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ كَمَا سَيَأْتِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ رَأَيْتُ فِي كَلَامِ بَعْضِ الشُّرَّاحِ صَرِيحًا أَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمُدَاوَاةِ بِدَوَاءٍ آخَرَ، وَالنَّهْيُ قَبْلَ بُلُوغِ ضَرُورَةٍ دَاعِيَةٍ إِلَيْهِ، أَوْ فِي مَوْضِعٍ يَعْظُمُ خَطَرُهُ، أَوِ الْكَيُّ الْفَاحِشُ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: أَوْ كَيَّةٌ وَاحِدَةٌ غَيْرُ فَاحِشَةٍ، وَقِيلَ النَّهْيُ تَنْزِيهِيٌّ اهـ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْكَيُّ دَاخِلٌ فِي جُمْلَةِ الْعِلَاجِ وَالتَّدَاوِي الْمَأْذُونِ فِيهِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْكَيِّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُعَظِّمُونَ أَمْرَهُ، وَيَرَوْنَ أَنَّهُ يَحْسِمُ الدَّاءَ وَيُبْرِئُهُ، وَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ هَلَكَ صَاحِبُهُ، وَيَقُولُونَ: آخِرُ الدَّوَاءِ الْكَيُّ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَأَبَاحَ اسْتِعْمَالَهُ عَلَى مَعْنَى طَلَبِ الشِّفَاءِ وَالتَّرَجِّي لِلْبُرْءِ بِمَا يُحْدِثُ اللَّهُ مِنْ صُنْعِهِ فِيهِ، فَيَكُونُ الْكَيُّ وَالدَّوَاءُ سَبَبًا لَا عِلَّةً. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَيُؤَيِّدُهُ تَخْصِيصُ ذِكْرِ الْأُمَّةِ أَيْ: أَنَا أَنْهَاهُمْ لِئَلَّا يَعُدُّوا الْكَيَّ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) : وَكَذَا ابْنُ مَاجَهْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute