مَرَاسِيلُ الصَّحَابَةِ حُجَّةٌ مَقْبُولَةٌ اتِّفَاقًا، بِخِلَافِ مَرَاسِيلِ التَّابِعِينَ، فَإِنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ إِلَّا فِيمَا يَعْتَضِدُ (أَنَّ طَبِيبًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ضِفْدَعٍ) : بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ، وَرُوِيَ بِفَتْحِ الدَّالِّ أَيْضًا. قَالَ الْقَاضِي. هُوَ بِكَسْرِ الدَّالِّ عَلَى مِثَالِ الْخِنْصَرِ وَالْعَامَّةُ بِفَتْحِهَا. وَقَالَ شَارِحٌ: فَتْحُ الدَّالِّ لَيْسَ بِسَدِيدٍ، وَفِي الْقَامُوسِ: الضِّفْدَعُ كَزِبْرِجٍ وَجَعْفَرٍ وَجُنْدَبٍ وَدِرْهَمٍ، وَهَذَا أَقَلُّ أَوْ مَرْدُودٌ دَابَّةٌ نَهْرِيَّةٌ، وَلَحْمُهَا مَطْبُوخًا بِزَيْتٍ وَمِلْحٍ تِرْيَاقٌ لِلْهَوَامِّ وَبَرِّيَّةٌ وَشَحْمُهَا عَجِيبٌ لِقَلْعِ الْأَسْنَانِ (يَجْعَلُهَا) : أَيْ هُوَ وَغَيْرُهُ (فِي دَوَاءٍ) : بِأَنْ يَجْعَلَهَا مُرَكَّبَةً مَعَ غَيْرِهَا مِنَ الْأَدْوِيَةِ، وَالْمَعْنَى يَسْتَعْمِلُهَا لِأَجْلِ دَوَاءٍ وَشِفَاءِ دَاءٍ (فَنَهَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَتْلِهَا) أَيْ: وَجَعْلِهَا فِي الدَّوَاءِ، وَبِهِ تَحْصُلُ الْمُطَابَقَةُ بَيْنَ السُّؤَالَيْنِ وَالْجَوَابِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِلَفْظِ: «نَهَى عَنْ قَتْلِ الضِّفْدَعِ لِلدَّوَاءِ» ، وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالْحَاكِمُ أَوْ عَنْ قَتْلِهَا فَقَطْ قَالَ شَارِحٌ: وَلَمْ يَكُنِ النَّهْيُ عَنْ قَتْلِهَا إِبْقَاءً عَلَيْهَا وَتَكْرُمَةً لَهَا، بَلْ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ التَّدَاوِيَ بِهَا لِرِجْسِهَا وَقَذَارَتِهَا.
قَالَ الْقَاضِي: وَلَعَلَّ النَّهْيَ عَنْ قَتْلِهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ التَّدَاوِيَ بِهَا لِنَجَاسَتِهَا وَحُرْمَتِهَا إِذْ لَمْ يُجَوِّزِ التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمَاتِ، أَوْ لِاسْتِقْذَارِ الطَّبْعِ وَتَنَفُّرِهِ عَنْهَا، أَوْ لِأَنَّهُ رَأَى فِيهَا مِنَ الْمَضَرَّةِ أَكْثَرَ مِمَّا رَأَى الطَّبِيبُ فِيهَا مِنَ الْمَنْفَعَةِ. قُلْتُ: وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ عَنِ ابْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا: " «لَا تَقْتُلُوا الضِّفَادِعَ، فَإِنَّ نَعِيقَهُنَّ تَسْبِيحٌ» ". قَالَ الطِّيبِيُّ فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ يُطَابِقُ النَّهْيُ عَنِ الْقَتْلِ جَوَابًا عَنِ السُّؤَالِ بِالتَّدَاوِي؟ قُلْتُ: الْقَتْلُ الْمَأْمُورُ بِهِ إِمَّا لِكَوْنِهِ مِنَ الْفَوَاسِقِ وَلَيْسَ بِهَا، وَإِمَّا لِإِبَاحَةِ الْأَكْلِ وَلَيْسَ بِذَلِكَ لِنَجَاسَتِهِ وَتَنَفُّرِ الطَّبْعِ عَنْهُ، وَإِذَا لَمْ يَجُزِ الْقَتْلُ لَمْ يَجُزِ الِانْتِفَاعُ بِهِ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) وَتَقَدَّمَ رِوَايَاتٌ غَيْرُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute