قَالَ الْأَشْرَفُ: وَكَرِهَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ مَا يَقَعُ فِيهِ مِنْ لُحُومِ الْأَفَاعِي وَالْخَمْرِ، وَهِيَ حَرَامٌ نَجِسَةٌ وَالتِّرْيَاقُ أَنْوَاعٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَقِيلَ: الْحَدِيثُ مُطْلَقٌ وَالْأَوْلَى اجْتِنَابُهُ كُلِّهِ، وَلِمَا فِيهِ مِنَ الِانْتِزَاعِ عَنِ التَّوَكُّلِ. (أَوْ تَعَلَّقْتُ تَمِيمَةً) : أَيْ: أَخَذْتُهَا عَلَاقَةً، وَالْمُرَادُ مِنَ التَّمِيمَةِ مَا كَانَ مِنْ تَمَائِمِ الْجَاهِلِيَّةِ وَرُقَاهَا، فَإِنَّ الْقِسْمَ الَّذِي اخْتَصَّ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلِمَاتِهِ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي جُمْلَتِهِ، بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ مَرْجُوُّ الْبَرَكَةِ عُرِفَ ذَلِكَ مِنْ أَصْلِ السُّنَّةِ، وَقِيلَ: يُمْنَعُ إِذَا كَانَ هُنَاكَ نَوْعُ قَدْحٍ فِي التَّوَكُّلِ، وَيُؤَيِّدُهُ صَنِيعُ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (أَوْ قُلْتُ الشِّعْرَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِي) : أَيْ: قَصَدْتُهُ وَتَقَوَّلْتُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس: ٦٩] وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟
فَذَلِكَ صَدَرَ لَا عَنْ قَصْدٍ وَلَا الْتِفَاتٍ مِنْهُ إِلَيْهِ أَنْ جَاءَ مَوْزُونًا، بَلْ كَانَ كَلَامًا مِنْ جِنْسِ كَلَامِهِ الَّذِي كَانَ يَرْمِي بِهِ عَلَى السَّلِيقَةِ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ وَلَا صَنْعَةٍ، وَلَا يُسَمَّى الْكَلَامُ الْمَوْزُونُ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الْوَزْنِ شِعْرًا عَلَى أَنَّ الرَّجَزَ لَيْسَ بِشِعْرٍ عِنْدَ الْخَلِيلِ أَيْضًا، وَأَمَّا الشِّعْرُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمِنْ جِنْسِ سَائِرِ الْكَلَامِ حَسَنُهُ حَسَنٌ وَقَبِيحُهُ قَبِيحٌ، نَعَمْ تَوَجُّهُ الْبَاطِنِ إِلَيْهِ وَتَضْيِيعُ الْعُمْرِ الشَّرِيفِ وَالتَّفْكِيرُ الْكَثِيرُ الْمَانِعُ عَنِ الْأُمُورِ الضَّرُورِيَّةِ الدِّينِيَّةِ فِيهِ مَذْمُومٌ، وَلِذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا " «لِأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ رَجُلٍ قَيْحًا حَتَّى يُرِيَهُ أَيْ: يُفْسِدَهُ - خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا» . قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: يَعْنِي إِنَّ إِنْشَاءَ الشِّعْرِ حَرَامٌ عَلَيَّ، وَكَذَا شُرْبُ التِّرْيَاقِ وَتَعْلِيقُ التَّمَائِمِ حَرَامَانِ عَلَيَّ، وَأَمَّا فِي حَقِّ الْأُمَّةِ فَالتَّمَائِمُ وَإِنْشَاءُ الشِّعْرِ غَيْرُ حَرَامٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ كَذِبٌ، وَلَا هَجْوُ مُسْلِمٍ، أَوْ شَيْءٌ مِنَ الْمَعَاصِي، وَكَذَا التِّرْيَاقُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ مُحَرَّمٌ شَرْعًا مِنْ لُحُومِ الْأَفَاعِي وَالْخَمْرِ وَنَحْوِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : وَكَذَا أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عَمْرٍو بِالْوَاوِ عَلَى مَا فِي الْجَامِعِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute