اللَّهُ تَعَالَى حَتَّى قَبَضَهُ. وَقَالَتْ: قَدْ يَكُونُ مِنَ الرِّجَالِ مَنْ هُوَ أَكْثَرُ صَلَاةً وَصِيَامًا مِنْ عُمَرَ، وَلَكِنْ لَمْ أَرَ مِنَ النَّاسِ أَحَدًا قَطُّ أَشَدُّ خَوْفًا مِنْ رَبِّهِ مِنْهُ، كَانَ إِذَا دَخَلَ الْبَيْتَ أَلْقَى نَفْسَهُ فِي مَسْجِدِهِ فَلَا يَزَالُ يَبْكِي وَيَدْعُو حَتَّى تَغْلِبَهُ عَيْنَاهُ ثُمَّ يَسْتَيْقِظُ وَيَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ لَيْلَهُ أَجْمَعَ، وَمَنَاقِبُهُ كَثِيرَةٌ ظَاهِرَةٌ (عَنْ تَمِيمِ الدَّارِيِّ) : نِسْبَةٌ إِلَى الْجَدِّ فَإِنَّ الدَّارَ اسْمُ وَاحِدٍ مِنْ أَجْدَادِهِ، وَهُوَ أَبُو رُقَيَّةَ مُصَغَّرًا تَمِيمُ بْنُ خَارِجَةَ صَحَابِيٌّ، كَانَ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ، وَرُبَّمَا رَدَّدَ الْآيَةَ الْوَاحِدَةَ فِي اللَّيْلِ كُلِّهِ، لَزِمَ الْعِبَادَةَ وَسَكَنَ الشَّامَ وَمَاتَ بِهَا كَذَا فِي الْأَنْسَابِ لِلسَّمْعَانِيِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: هُوَ تَمِيمُ بْنُ أَوْسٍ الدَّارِيُّ، أَسْلَمَ سَنَةَ تِسْعٍ. قَالَ مُحَمَّدُ الْمُنْكَدِرِ: إِنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ نَامَ لَيْلَةً لَمْ يَقُمْ يَتَهَجَّدُ فِيهَا فَقَامَ سَنَةً لَمْ يَنَمْ فِيهَا عُقُوبَةً لِلَّذِي صَنَعَ سَكَنَ الْمَدِينَةَ ثُمَّ انْتَقَلَ مِنْهَا إِلَى الشَّامِ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ وَأَقَامَ بِهَا إِلَى أَنْ مَاتَ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَسْرَجَ السِّرَاجَ فِي الْمَسْجِدِ، رَوَى عَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِصَّةَ الدَّجَّالِ وَالْجَسَّاسَةِ، وَرَوَى عَنْهُ أَيْضًا جَمَاعَةٌ. (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْوُضُوءُ مِنْ كُلِّ دَمٍ سَائِلٍ» ) أَيْ: إِلَى مَا يَجِبُ تَطْهِيرُهُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ (رَوَاهُمَا) : أَيِ: الْحَدِيثَيْنِ السَّابِقَيْنِ (الدَّارَقُطْنِيُّ) : وَرَوَى الْحَدِيثَ الثَّانِيَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي كَامِلِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، كَذَا ذَكَرَهُ الشَّمَنِيُّ يَعْنِي مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَا نَعْلَمُهُ إِلَّا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ فَرُّوخٍ، وَهُوَ مِمَّنْ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ وَلَكِنَّهُ يُكْتَبُ، فَإِنَّ النَّاسَ مَعَ ضَعْفِهِ قَدِ احْتَمَلُوا حَدِيثَهُ اهـ.
لَكِنْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ: قَدْ كَتَبْنَا عَنْهُ وَمَحَلُّهُ عِنْدَنَا الصِّدْقُ. قَالَ ابْنُ الْهَمَّامِ: وَقَدْ تَظَافَرَ مَعَهُ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إِلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ «إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ: (قَالَ: لَا إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ فَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ» ) قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ. قَالَ أَبِي: ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ أَيْ: وَقْتُ الْحَيْضِ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ عُرْوَةَ وَدُفِعَ بِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ كَذَلِكَ وَلَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَفْظُهُ: وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ وَصَحَّحَهُ، وَمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجَمَ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى غَسْلِ مَحَاجِمِهِ» فَضَعِيفٌ اهـ. كَلَامُ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهَمَّامِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (وَقَالَ) : أَيِ: الدَّارَقُطْنِيُّ (عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَمْ يَسْمَعْ) : أَيْ: بِلَا وَاسِطَةٍ (مِنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ وَلَا رَآهُ) فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِخَوَاجَهْ عِصَامِ الدِّينِ، أَمَّا كَوْنُ الْحَدِيثِ مُرْسَلًا فَلَيْسَ بِطَعْنٍ عِنْدَنَا لِأَنَّا نَقْبَلُ الْمَرَاسِيلَ ذَكَرَهُ الْأَبْهَرِيُّ وَفِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِابْنِ الْهَمَّامِ وَالْمَرَاسِيلُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ حُجَّةٌ (وَيَزِيدُ بْنُ خَالِدٍ، وَيَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ مَجْهُولَانِ) . قَالَ مِيرَكُ: أَيِ الرَّاوِيَانِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ السَّمْعَانِيُّ: هُمَا ضَعِيفَانِ مَجْهُولَانِ. وَقَالَ ابْنُ الْهَمَّامِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقٍ ضَعِيفَةٍ اهـ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ لَهُ طَرِيقًا آخَرَ رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي كَامِلِهِ وَمَعَ ذَلِكَ اعْتِمَادُ الْمَذْهَبِ لَيْسَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ، بَلْ عَلَى حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ كَمَا سَبَقَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute