السَّمَاءِ صَفْوًا بِلَا عِلَاجٍ، وَكَذَلِكَ الْكَمْأَةُ لَا مُؤْنَةَ فِيهَا بِبَذْرٍ وَسَقْيٍ اهـ. وَالْأَظْهَرُ هُوَ الثَّانِي لِمَا فِي رِوَايَةِ الْكَمْأَةِ مِنَ الْمَنِّ وَالْمَنُّ مِنَ الْجَنَّةِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: كَأَنَّهُمْ لَمَّا ذَمُّوهَا وَجَعَلُوهَا مِنَ الْفَضَلَاتِ الَّتِي تَتَضَمَّنُ الْمَضَرَّةَ وَتَدْفَعُهَا الْأَرْضُ إِلَى ظَاهِرِهَا، كَمَا تَدْفَعُ الطَّبِيعَةُ الْفَضَلَاتِ بِالْجُدَرِيِّ قَابَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدْحِ أَيْ: لَيْسَتْ مِنَ الْفَضَلَاتِ، بَلْ هِيَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ، وَمِنَّةٌ عَلَى عِبَادِهِ، وَلَيْسَتْ مِمَّا تَتَضَمَّنُ الْمَضَرَّةَ، بَلْ هِيَ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ كَالْمَنِّ النَّازِلِ. (وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ) فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ قِيلَ: هُوَ نَفْسُ الْمَاءِ مُجَرَّدًا، وَقِيلَ: مَخْلُوطًا بِدَوَاءٍ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ لِتَبْرِيدِ مَا فِي الْعَيْنِ مِنْ حَرَارَةٍ فَمَاؤُهَا مُجَرَّدُ إِشْفَاءٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ فَمُرَكَّبَةٌ مَعَ غَيْرِهِ، وَالصَّحِيحُ، بَلِ الصَّوَابُ أَنَّ مَاءَهَا مُجَرَّدُ إِشْفَاءٍ لِلْعَيْنِ مُطْلَقًا، وَقَدْ رَأَيْتُ أَنَا وَغَيْرِي فِي زَمَانِنَا مَنْ ذَهَبَ بَصَرُهُ فَكَحَّلَ عَيْنَهُ بِمَاءِ الْكَمْأَةِ مُجَرَّدًا فَشُفِيَ وَعَادَ إِلَيْهِ بَصَرُهُ، وَهُوَ الشَّيْخُ الْعَدْلُ الْأَمِينُ الْكَمَالُ الدِّمَشْقِيُّ صَاحِبُ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ، وَكَانَ اسْتِعْمَالُهُ الْمَاءَ الْكَمْأَةَ اعْتِقَادًا بِالْحَدِيثِ وَتَبَرُّكًا بِهِ.
(وَالْعَجْوَةُ) : وَهِيَ نَوْعٌ مِنَ التَّمْرِ فَفِي الْقَامُوسِ: الْعَجْوَةُ بِالْحِجَازِ التَّمْرُ الْمَحْشِيُّ وَتَمْرٌ بِالْمَدِينَةِ (مِنَ الْجَنَّةِ) أَيْ مِنْ ثِمَارِهَا الْمَوْجُودَةِ فِيهَا، أَوِ الْمَأْخُوذَةِ عَنْهَا بِاعْتِبَارِ أَصْلِ مَادَّتِهَا بِغَرْزِ نَوَاهَا عَلَى أَيْدِي مَنْ أَرَادَهُ اللَّهُ. (وَهِيَ شِفَاءٌ مِنَ السُّمِّ) بِتَثْلِيثِ السِّينِ وَالْفَتْحُ أَشْهَرُ لُغَةً وَالضَّمُّ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَأَمَّا قَوْلُهُ الْعَجْوَةُ مِنَ الْجَنَّةِ فَوَاقِعٌ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِطْرَادِ، يَعْنِي بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجَوَابِ عَنْ سُؤَالِ الْأَصْحَابِ، وَإِلَّا فَالْمُنَاسَبَةُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرَةٌ، وَكَذَا مُلَاءَمَتُهُمَا لِلْبَابِ عَلَى مَا لَا يَخْفَى عَلَى أُولِي الْأَلْبَابِ.
(قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَأَخَذْتُ ثَلَاثَةَ أَكْمُؤٍ) : بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ فَضَمِّ مِيمٍ فَهَمْزٍ أَيْ ثَلَاثَةُ أَشْخُصٍ مِنْهَا (أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا) : شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (فَعَصَرْتُهُنَّ) أَيْ فِي وِعَاءٍ (وَجَعَلْتُ مَاءَهُنَّ فِي قَارُورَةٍ، وَكَحَّلْتُ بِهِ جَارِيَةً لِي عَمْشَاءَ) تَأْنِيثُ الْأَعْمَشِ مِنَ الْعَمَشِ مُحَرَّكَةٌ، وَهُوَ ضَعْفٌ فِي الرُّؤْيَةِ مَعَ سَيَلَانِ الْمَاءِ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ، ذَكَرَهُ فِي الْقَامُوسِ. (فَبَرَأَتْ) . بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتُكْسَرُ أَيْ شُفِيَتْ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) . أَرَادَ الْحَدِيثَ بِكَمَالِهِ، وَإِلَّا فَجُمْلَةُ الْكَمْأَةِ مِنَ الْمَنِّ وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ صَحِيحٌ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، وَكَذَا أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَجَابِرٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الطِّبِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ عَائِشَةَ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي نُعَيْمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: «الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ وَالْمَنُّ مِنَ الْجَنَّةِ وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ، عَنْ بُرَيْدَةَ: «الْعَجْوَةُ مِنْ فَاكِهَةِ الْجَنَّةِ» . وَرَوَى أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ، عَنْ رَافِعِ بْنِ عَمْرٍو الْمَدِينِيِّ وَلَفْظُهُ: «الْعَجْوَةُ وَالصَّخْرَةُ وَالشَّجَرَةُ مِنَ الْجَنَّةِ» . وَالْمُرَادُ بِالصَّخْرَةِ صَخْرَةُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَالشَّجَرَةُ هِيَ الْكَرْمَةُ، وَقِيلَ: الشَّجَرَةُ هِيَ الَّتِي وَقَعَتْ تَحْتَهَا بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ. وَرَوَى أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَكَذَا أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَجَابِرٍ بِلَفْظِ: الْعَجْوَةُ مِنَ الْجَنَّةِ وَفِيهَا شِفَاءٌ مِنَ السُّمِّ، وَالْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute