(٢) بَابُ آدَابِ الْخَلَاءِ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
٣٣٤ - عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ( «إِذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ، وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ مُحْيِي السُّنَّةِ، رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذَا الْحَدِيثُ فِي الصَّحْرَاءِ، وَأَمَّا فِي الْبُنْيَانِ فَلَا بَأْسَ لِمَا رُوِيَ
ــ
(٢) - بَابُ آدَابِ الْخَلَاءِ
الْآدَابُ: اسْتِعْمَالُ مَا يُحْمَدُ قَوْلًا وَفِعْلًا، وَالْخَلَاءُ بِالْمَدِّ كُلُّ مَوْضِعٍ يَقْضِي الْإِنْسَانُ فِيهِ حَاجَتَهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَخْلُو فِيهِ.
٣٣٤ - (عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ) : شَهِدَ الْعَقَبَةَ وَمَا بَعْدَهَا مِنَ الْمَشَاهِدِ، وَنَزَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مُهَاجِرًا، وَأَقَامَ عِنْدَهُ شَهْرًا، تُوُفِّيَ بِالرُّومِ غَازِيًّا، وَقَبْرُهُ بِالْقُسْطُنْطِينِيَّةِ كَذَا فِي التَّهْذِيبِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: هُوَ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ، وَكَانَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي حُرُوبِهِ كُلِّهَا، وَمَاتَ بِالْقُسْطُنْطِينِيَّةِ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ وَكَانَ ذَلِكَ مَعَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ لَمَّا غَزَا أَبُوهُ الْقُسْطُنْطِينِيَّةَ خَرَجَ مَعَهُ فَمَرِضَ، فَلَمَّا ثَقُلَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: إِذَا أَنَا مِتُّ فَاحْمِلُونِي، فَإِذَا صَادَفْتُمُ الْعَدُوَّ فَادْفِنُونِي تَحْتَ أَقْدَامِكُمْ فَفَعَلُوا وَدَفَنُوهُ قَرِيبًا مِنْ سُورِهَا، وَقَبْرُهُ مَعْرُوفٌ إِلَى الْيَوْمِ يَسْتَشْفُونَ بِهِ فَيَشْفُونَ، رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ. وَالْقُسْطُنْطِينِيَّةُ: هُوَ بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ السِّينِ وَضَمِّ الطَّاءِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ وَبَعْدَهَا يَاءٌ سَاكِنَةٌ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْمَغْرِبِيُّ فِي الْمَشَارِقِ عَنِ الْأَكْثَرِينَ زِيَادَةَ يَاءٍ مُشَدَّدَةٍ بَعْدَ النُّونِ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (إِذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ) : أَيْ: جِئْتُمْ وَحَضَرْتُمْ مَوْضِعَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: الْغَائِطُ فِي الْأَصْلِ الْمُطْمَئِنُّ مِنَ الْأَرْضِ، وَمِنْهُ قِيلِ لِمَوْضِعِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنْ يَقْضِيَ فِي الْمُنْخَفَضِ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهُ، ثُمَّ اتُّسِعَ حَتَّى أُطْلِقَ عَلَى النَّجْوِ نَفْسِهِ أَيِ: الْخَارِجِ تَسْمِيَةً لِلْحَالِّ بِاسْمِ مَحَلِّهِ (فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ) : أَيْ: جِهَةَ الْكَعْبَةِ تَعْظِيمًا لَهَا (وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا) : تَكْرِيمًا لَهَا قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فَكُلٌّ مِنْهُمَا حَالَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَالْعِبْرَةُ بِالصَّدْرِ حَرَامٌ فِي الصَّحْرَاءِ، وَالْبُنْيَانُ لَا يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ إِلَّا الْمَحَلُّ الْمُهَيَّأُ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فِي الْبُنْيَانِ وَالصَّحْرَاءِ، فَلَا حُرْمَةَ فِيهِ مُطْلَقًا لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْآتِي، لَكِنْ إِنْ أَمْكَنَهُ الْمَيْلُ عَنِ الْقِبْلَةِ بِلَا مَشَقَّةٍ كَانَ الْمَيْلُ عَنْهَا أَفْضَلَ ( «وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» ) : أَيْ: تَوَجَّهُوا إِلَى جِهَةِ الشَّرْقِ أَوِ الْغَرْبِ. قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: هَذَا خِطَابٌ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلِمَنْ كَانَتْ قِبْلَتُهُ عَلَى ذَلِكَ السَّمْتِ، فَأَمَّا مَنْ كَانَتْ قِبْلَتُهُ جِهَةَ الْغَرْبِ أَوِ الشَّرْقِ، فَإِنَّهُ يَنْحَرِفُ إِلَى الْجَنُوبِ أَوِ الشَّمَالِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: ( «إِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْغَائِطَ فَلَا يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَلَا يُوَلِّهَا ظَهْرَهُ، شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» ) . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالشَّيْخَانِ، وَالْأَرْبَعَةُ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ.
(قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ مُحْيِي السُّنَّةِ رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذَا الْحَدِيثُ) : أَيْ: حُكْمُهُ (فِي الصَّحْرَاءِ) : أَيْ: عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَكَذَا الْبُنْيَانُ غَيْرُ الْخَلَاءِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ) أَنَّ الصَّحْرَاءَ لَا تَخْلُو مِنْ مُصَلٍّ مِنْ مَلَكٍ أَوْ إِنْسٍ أَوْ جِنٍّ، فَإِذَا قَعَدَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ أَوْ مُسْتَدْبِرَهَا، رُبَّمَا يَقَعُ نَظَرُ مُصَلٍّ عَلَى عَوْرَتِهِ، وَأَمَّا الْأَبْنِيَةُ فَلَيْسَ فِيهَا ذَلِكَ لِأَنَّ الْحُشُوشَ لَا تَحْضُرُهُ إِلَّا الشَّيَاطِينُ (وَأَمَّا فِي الْبُنْيَانِ) : قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: يَعْنِي الْخَلَاءَ لِيُطَابِقَ الْحَدِيثَ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ (فَلَا بَأْسَ) : قَالَ الْمُظْهِرُ: هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَسْتَوِي الصَّحْرَاءُ وَالْبُنْيَانُ فِي حُرْمَةِ الِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِدْبَارِ. قَالَ ابْنُ مَالِكٍ لِاسْتِوَاءِ الْعِلَّةِ فِيهِمَا وَهُوَ احْتِرَامُ الْقِبْلَةِ (لِمَا رُوِيَ) : وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لِمَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ. قَالَ الْأَبْهَرِيُّ. فِيهِ مُسَامَحَةٌ فَإِنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ أَيْ: وَلَا يُسْتَعْمَلُ " رُوِيَ " غَالِبًا إِلَّا فِي الضَّعِيفِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute