للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٤٥٩٥ - وَعَنْ حَفْصَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

٤٥٩٥ - (وَعَنْ حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا) أَيْ: بِنْتُ عُمَرَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ (قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَتَى عَرَّافًا) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَهُوَ مُبَالَغَةُ (الْعَارِفِ) ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ الْكَاهِنُ وَالطَّبِيبُ، وَفِي الْمُغْرِبِ: هُوَ الْمُنَجِّمُ، وَهُوَ الْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ ذَكَرَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: الْعَرَّافُ مِنْ جُمْلَةِ أَنْوَاعِ الْكُهَّانِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ: الْعَرَّافُ هُوَ الَّذِي يَتَعَاطَى مَعْرِفَةَ مَكَانِ الْمَسْرُوقِ وَمَكَانَ الضَّالَّةِ وَنَحْوِهِمَا. (فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ) أَيْ: عَلَى وَجْهِ التَّصْدِيقِ بِخِلَافِ مَنْ سَأَلَهُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِهْزَاءِ أَوِ التَّكْذِيبِ، وَأُطْلِقَ مُبَالِغَةً فِي التَّنْفِيرِ عَنْهُ، وَالْجُمْلَةُ احْتِرَازٌ عَمَّنْ أَتَاهُ لِحَاجَةٍ أُخْرَى. (لَمْ تُقْبَلْ لَهُ) : بِصِيغَةِ التَّأْنِيثِ وَجُوِّزَ تَذْكِيرُهُ أَيْ: قَبُولُ كَمَالٍ حَيْثُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الثَّوَابُ أَوْ تَضَاعُفُهُ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ الْأَقْرَبُ إِلَى الصَّوَابِ (صَلَاةٌ) : بِالتَّنْوِينِ، فَقَوْلُهُ: (أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) . ظَرْفٌ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالْإِضَافَةِ إِلَى قَوْلِهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً أَيْ مِنَ الْأَزْمِنَةِ اللَّاحِقَةِ. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ وَاثِلَةَ وَلَفْظُهُ: «مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ حُجِبَتْ عَنْهُ التَّوْبَةُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَإِنْ صَدَّقَهُ بِمَا قَالَ كَفَرَ» ، فَفِي الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ أَعْمَالَ التَّائِبِ لَهَا دَرَجَةُ كَمَالِ الْقَبُولِ يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: ٢٧] .

قَالَ النَّوَوِيُّ: وَأَمَّا عَدَمُ قَبُولِ صَلَاتِهِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا ثَوَابَ لَهُ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُجْزِئَةً فِي سُقُوطِ الْفَرْضِ عَنْهُ، وَلَا يَحْتَاجُ مَعَهَا إِلَى إِعَادَةٍ، وَنَظِيرُ هَذَا الصَّلَاةُ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ مُجْزِئَةٌ مُسْقِطَةٌ لِلْقَضَاءِ، وَلَكِنْ لَا ثَوَابَ لَهُ فِيهَا، كَذَا قَالَهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا.

قَالُوا: فَصَلَاةُ الْفَرْضِ وَغَيْرُهَا مِنَ الْوَاجِبَاتِ إِذَا أَتَى بِهَا عَلَى وَجْهِهَا الْكَامِلِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا شَيْئَانِ: سُقُوطُ الْفَرْضِ عَنْهُ، وَحُصُولُ الثَّوَابِ، فَإِذَا أَدَّاهَا فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ حَصَلَ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي، وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ عَلَى مَنْ أَتَى الْعَرَّافَ إِعَادَةَ صَلَاةِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَوَجَبَ تَأْوِيلُهُ. قُلْتُ: وُجُوبُ تَأْوِيلِهِ مُسَلَّمٌ، لَكِنْ تَأْوِيلُهُ الْمَذْكُورُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ، فَإِنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْحَسَنَاتِ لَا تُبْطِلُهَا السَّيِّئَاتُ إِلَّا الرِّدَّةَ مَعَ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ لُزُومِ الْإِعَادَةِ حَتَّى فِي الرِّدَّةِ إِذَا عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ إِلَى الْحَجِّ، فَإِنَّهُ فَرْضُ الْعُمْرِ، ثُمَّ مَفْهُومُ التَّأْوِيلِ السَّابِقِ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى النَّفْلَ يَكُونُ لَهُ ثَوَابٌ، وَكَذَا الْفَرْضُ ; لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا، نَعَمْ، التَّضَاعُفُ مِنْ فَضْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَإِذَا فَعَلَ الْعَبْدُ مَا يُوجِبُ غَضَبَهَ تَعَالَى، فَلَهُ إِسْقَاطُ الْمُضَاعَفَةِ الزَّائِدَةِ عَلَى مُقْتَضَى الْعَدْلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، ثُمَّ تَخْصِيصُ الصَّلَاةِ مِنْ بَيْنِ الْأَعْمَالِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِكَوْنِهَا عِمَادَ الدِّينِ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُفَوَّضَ عِلْمُهُ إِلَى الشَّارِعِ، وَذِكْرُ الْعَدَدِ يَحْتَمِلُ التَّحْدِيدَ، وَالتَّكْثِيرَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

وَفِي الْجَامِعِ: رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ عَنْ بَعْضِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>