كِتَابُ الرُّؤْيَا
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
٤٦٠٦ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَمْ يَبْقَ مِنَ النُّبُوَّةِ إِلَّا الْمُبَشِّرَاتُ " قَالُوا: وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ: " الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
قَالَ النَّوَوِيُّ: مَقْصُورَةٌ مَهْمُوزَةٌ وَيَجُوزُ تَرْكُهَا تَخْفِيفًا. قُلْتُ: الصَّوَابُ إِبْدَالُهَا أَوْ تَخْفِيفُهَا، وَأَمَّا تَرْكُهَا فَغَيْرُ صَحِيحٍ رِوَايَةً وَدِرَايَةً. وَقَالَ الْكَشَّافُ: الرُّؤْيَا بِمَعْنَى الرُّؤْيَةِ إِلَّا أَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِمَا كَانَ مِنْهَا فِي الْمَنَامِ دُونَ الْيَقَظَةِ، فَلَا جَرَمَ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِحَرْفِ التَّأْنِيثِ فِيهَا مَكَانَ تَاءِ التَّأْنِيثِ لِلْفَرْقِ، كَمَا قِيلَ فِي الْقُرْبَى وَالْقُرْبَةِ. وَفِي الْقَامُوسِ: الرُّؤْيَةُ النَّظَرُ بِالْعَيْنِ وَالْقَلْبِ، رَأَيْتُهُ رُؤْيَةً وَرُؤْيَا، وَالرُّؤْيَا مَا رَأَيْتَهُ فِي مَنَامِكَ.
وَقَالَ الْوَاحِدِيُّ: الرُّؤْيَا مَصْدَرٌ كَالْبُشْرَى وَالسُّقْيَا وَالشُّورَى، إِلَّا أَنَّهُ صَارَ اسْمًا لِهَذَا الْمُتَخَيَّلِ فِي الْمَنَامِ جَرَى مَجْرَى الْأَسْمَاءِ، وَقَالَ الْمَازَرِيُّ: مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ حَقِيقَةَ الرُّؤْيَا خَلْقُ اللَّهِ فِي قَلْبِ النَّائِمِ اعْتِقَادَاتٍ كَخَلْقِهَا فِي قَلْبِ الْيَقِظَانِ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ لَا يَمْنَعُهُ نَوْمٌ وَلَا يَقَظَةٌ، وَخَلْقُ هَذِهِ الِاعْتِقَادَاتِ فِي النَّائِمِ عِلْمٌ عَلَى أُمُورٍ أُخَرَ تَلْحَقُهَا فِي ثَانِي الْحَالِ كَالْغَيْمِ عَلَى الْمَطَرِ.
٤٦٠٦ - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَمْ يَبْقَ مِنَ النُّبُوَّةِ) أَيْ: مِنْ أَجْزَائِهَا (إِلَّا الْمُبَشِّرَاتُ) : بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُشَدَّدَةِ. قَالَ السُّيُوطِيُّ: أَيِ: الْوَحْيُ مُنْقَطِعٌ بِمَوْتِي، وَلَا يَبْقَى مَا يُعْلَمُ مِنْهُ مَا سَيَكُونُ إِلَّا الرُّؤْيَا، وَالتَّعْبِيرُ بِالْمُبَشِّرَاتِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْأَغْلَبِ، فَإِنَّ مِنَ الرُّؤْيَا مَا تَكُونُ مُنْذِرَةً وَهِيَ صَادِقَةٌ يُرِيهَا اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ رِفْقًا بِهِ، لِيَسْتَعِدَّ لِمَا يَقَعُ قَبْلَ وُقُوعِهَا. (قَالُوا) أَيْ: بَعْضُ الصَّحَابَةِ (وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ: الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ) ، أَيِ: الْحَسَنَةُ أَوِ الصَّادِقَةُ، وَهِيَ مَا فِيهِ بِشَارَةٌ أَوْ تَنْبِيهٌ عَنْ غَفْلَةٍ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَمَعْنَى الصَّالِحَةِ الْحَسَنَةُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَجْرِيَ عَلَى ظَاهِرِهَا، وَأَنْ تَجْرِيَ عَلَى الصَّادِقَةِ، وَالْمُرَادُ بِهَا صِحَّتُهَا، وَتَفْسِيرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُبَشِّرَاتِ عَلَى الْأَوَّلِ ظَاهِرٌ ; لِأَنَّ الْبِشَارَةَ كُلُّ خَبَرِ صِدْقٍ يَتَغَيَّرُ بِهِ بَشَرَةُ الْوَجْهِ وَاسْتِعْمَالُهَا فِي الْخَيْرِ أَكْثَرُ، وَعَلَى الثَّانِي مُؤَوَّلٌ إِمَّا عَلَى التَّغْلِيبِ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَصْلِ اللُّغَةِ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute