للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

كُرْزٍ قَالَ: وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: (" «السَّمْتُ الْحَسَنُ وَالتُّؤَدَةُ وَالِاقْتِصَادُ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ» ") أَيْ: مِنْ أَخْلَاقِ أَهْلِ النُّبُوَّةِ. قُلْتُ: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ، وَفِي رِوَايَةِ الضِّيَاءِ عَنْ أَنَسٍ: «السَّمْتُ الْحَسَنُ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ» ، قَالَ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهَا تَجِيءُ عَلَى مُوَافَقَةِ النُّبُوَّةِ لَا أَنَّهَا جُزْءٌ بَاقٍ مِنَ النُّبُوَّةِ، وَقِيلَ: إِنَّمَا قَصَرَ الْأَجْزَاءَ عَلَى سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ ; لِأَنَّ زَمَانَ الْوَحْيِ كَانَ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ سَنَةً. وَكَانَ أَوَّلَ مَا بُدِئَ بِهِ مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ، وَذَلِكَ فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ سِنِيِّ الْوَحْيِ، وَنِسْبَةُ ذَلِكَ إِلَى سَائِرِهَا نِسْبَةُ جُزْءٍ إِلَى سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا. قَالَ: وَأَمَّا حَصْرُ سِنِيِّ الْوَحْيِ فِي ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ، فَإِنَّهُ وَرَدَ بِهِ الرِّوَايَاتُ الْمُعْتَدُّ بِهَا مَعَ اخْتِلَافٍ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا كَوْنُ زَمَانِ الرُّؤْيَا فِيهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَشَيْءٌ قَدَّرَهُ هَذَا الْقَائِلُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُسَاعِدْهُ فِيهِ النَّقْلُ، وَأَرَى الذَّاهِبِينَ إِلَى التَّأْوِيلَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا قَدْ هَالَهُمُ الْقَوْلُ بِأَنَّ الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنَ النُّبُوَّةِ، وَقَدْ قَالَ " ذَهَبَتِ النُّبُوَّةُ "، وَلَا حَرَجَ عَلَى أَحَدٍ فِي الْأَخْذِ بِظَاهِرِ هَذَا الْقَوْلِ، فَإِنَّ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ لَا يَكُونُ نُبُوَّةً، كَمَا أَنَّ جُزْءًا مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى الِانْفِرَادِ لَا يَكُونُ صَلَاةً، وَكَذَلِكَ عَمَلٌ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ، وَشُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِ الْإِيمَانِ، وَأَمَّا وَجْهُ تَحْدِيدِ الْأَجْزَاءِ بِسِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ، فَأَرَى ذَلِكَ مِمَّا يُجْتَنَبُ الْقَوْلُ فِيهِ وَيُتَلَقَّى بِالتَّسْلِيمِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عُلُومِ النُّبُوَّةِ الَّتِي لَا تُقَابَلُ بِالِاسْتِنْبَاطِ، وَلَا يُتَعَرَّضُ لَهُ بِالْقِيَاسِ، وَذَلِكَ مِثْلُ مَا قَالَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ فِي: «السَّمْتُ الْحَسَنُ وَالتُّؤَدَةُ وَالِاقْتِصَادُ إِنَّهَا جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ» ، وَقَلَّمَا يُصِيبُ مُؤَوِّلٌ فِي حَصْرِ هَذِهِ الْأَجْزَاءِ، وَلَئِنْ قُيِّضَ لَهُ الْإِصَابَةُ فِي بَعْضِهَا لِمَا يَشْهَدُ لَهُ الْأَحَادِيثُ الْمُسْتَخْرَجُ مِنْهَا لَمْ يَسْلَمْ لَهُ ذَلِكَ فِي الْبَقِيَّةِ اهـ. وَوَافَقَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي قَدْحِهِ فِي كَوْنِ زَمَانِ الرُّؤْيَا فِيهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَقَالَ: لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ رُؤْيَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ النُّبُوَّةِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ. اهـ.

وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْعَدَدِ الْمَخْصُوصِ الْخِصَالُ الْحَمِيدَةُ، أَيْ: كَانَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ خَصْلَةً، وَالرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْهَا، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقُ مَعَ زِيَادَةِ مَالِكٍ مِنْ قَوْلِ عَطَاءٍ اللَّاحِقِ، وَيَنْصُرُهُ أَيْضًا حَدِيثُ: " «السَّمْتُ الْحَسَنُ وَالتُّؤَدَةُ وَالِاقْتِصَادُ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ» "، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ بِالْأَعْدَادِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَسْطُورَةِ التَّكْثِيرُ لَا التَّحْدِيدُ بِقَرِينَةِ حَدِيثِ: " «السَّمْتُ الْحَسَنُ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ» " كَمَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَمُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي رَزِينٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَابْنِ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَلِأَحْمَدَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَفْظُهُ: " «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ» ". وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ النَّجَّارِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ» ".

<<  <  ج: ص:  >  >>