للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٤٦٣٢ - وَعَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي، وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

٤٦٣٢ - (وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي) أَيْ: تَوَاضُعًا حَيْثُ رَفَعَهُ اللَّهُ بِالرُّكُوبِ، وَلِئَلَّا يَظُنَّ أَنَّهُ بِهَذَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي (وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ) : كَذَلِكَ (وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ) أَيْ: لِلتَّوَاضُعِ الْمَقْرُونِ بِالِاحْتِرَامِ وَالْإِكْرَامِ الْمُعْتَبَرِ فِي السَّلَامِ، مَعَ أَنَّ الْغَالِبَ وُجُودُ الْكَبِيرِ فِي الْكَثِيرِ، وَسَيَأْتِي أَنَّ الصَّغِيرَ يُسَلِّمُ عَلَى الْكَبِيرِ، مَعَ أَنَّ الْكَثِيرَ قَدْ يُعْتَبَرُ فِي مَعْنَى الْكَبِيرِ، وَأَيْضًا وُضِعَ السَّلَامُ لِلتَّوَدُّدِ، وَالْمُنَاسَبُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ لِلصَّغِيرِ مَعَ الْكَبِيرِ، وَلِلْقَلِيلِ مَعَ الْكَثِيرِ بِمُقْتَضَى الْأَدَبِ الْمُعْتَبَرِ شَرْعًا وَعُرْفًا، نَعَمْ لَوْ وَقَعَ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ تَوَاضُعًا، فَهُوَ مَقْصِدٌ حَسَنٌ أَيْضًا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِنَّمَا اسْتُحِبَّ ابْتِدَاءُ السَّلَامِ لِلرَّاكِبِ ; لِأَنَّ وَضْعَ السَّلَامِ إِنَّمَا هُوَ لِحِكْمَةِ إِزَالَةِ الْخَوْفِ مِنَ الْمُلْتَقِيَيْنِ إِذَا الْتَقَيَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا فِي الْغَالِبِ، أَوْ لِمَعْنَى التَّوَاضُعِ الْمُنَاسِبِ لِحَالِ الْمُؤْمِنِ، أَوْ لِمَعْنَى التَّعْظِيمِ ; لِأَنَّ السَّلَامَ إِنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ: إِمَّا اكْتِسَابُ وُدٍّ أَوِ اسْتِدْفَاعُ مَكْرُوهٍ.

قَالَ الطِّيبِيُّ: فَالرَّاكِبُ يُسَلِّمُ عَلَى الْمَاشِي، وَهُوَ عَلَى الْقَاعِدِ لِلْإِيذَانِ بِالسَّلَامَةِ وَإِزَالَةِ الْخَوْفِ، وَالْكَثِيرُ عَلَى الْقَلِيلِ لِلتَّوَاضُعِ، وَالصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ لِلتَّوْقِيرِ وَالتَّعْظِيمِ. قُلْتُ: أَمَّا التَّوَاضُعُ فَفِي الْكُلِّ مَوْجُودٌ وَلَوِ انْعَكَسَ الْوُجُودُ، وَلِذَا قَالُوا: ثَوَابُ الْمُسَلِّمِ أَكْثَرُ مِنْ أَجْرِ الْمُجِيبِ، مَعَ أَنَّ فِعْلَ الْأَوَّلِ سُنَّةٌ وَفِعْلَ الْآخَرِ فَرْضٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ مُلَاحَظَةِ مَعْنًى آخَرَ فِي التَّرْتِيبِ الْمُقَدَّمِ فَتَدَبَّرْ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا الْأَدَبُ يَعْنِي: الْقَيْدُ الْأَخِيرُ، إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إِذَا تَلَاقَى اثْنَانِ فِي طَرِيقٍ، أَمَّا إِذَا وَرَدَ عَلَى قُعُودٍ أَوْ قَاعِدٍ، فَإِنَّ الْوَارِدَ يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ بِكُلِّ حَالٍ، سَوَاءٌ كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا، أَوْ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، قُلْتُ: وَهَذَا مَفْهُومٌ مِنْ صَدْرِ الْحَدِيثِ فِي الْجُمْلَةِ ; لِأَنَّ التَّعْرِيفَ فِي الرَّاكِبِ وَالْمَاشِي لِلْجِنْسِ الشَّامِلِ لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَلَكِنْ فِيهِ تَنْبِيهٌ نَبِيهٌ. قَالَ الْمُتَوَلِّيُّ: إِذَا لَقِيَ رَجُلٌ جَمَاعَةً فَأَرَادَ أَنْ يَخُصَّ طَائِفَةً مِنْهُمْ بِالسَّلَامِ كُرِهَ ; لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنَ السَّلَامِ الْمُؤَانَسَةُ وَالْأُلْفَةُ، وَفِي تَخْصِيصِ الْبَعْضِ إِيحَاشُ الْبَاقِينَ، وَرُبَّمَا صَارَ سَبَبًا لِلْعَدَاوَةِ، وَإِذَا مَشَى فِي السُّوقِ أَوِ الشَّوَارِعِ الْمَطْرُوقَةِ كَثِيرًا، فَالسَّلَامُ هُنَا إِنَّمَا يَكُونُ لِبَعْضِ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ ; لِأَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ عَلَى كُلٍّ لَتَشَاغَلَ بِهِ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمْ، وَيَخْرُجُ بِهِ عَنِ الْعُرْفِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>