للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٤٦٥٩ - وَعَنْهُ، قَالَ: «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَتَعَلَّمَ السُّرْيَانِيَّةَ، وَفِي رِوَايَةٍ: إِنَّهُ أَمَرَنِي أَنْ أَتَعَلَّمَ كِتَابَ يَهُودَ، وَقَالَ: " إِنِّي مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابٍ ". قَالَ: فَمَا مَرَّ بِيَ نِصْفُ شَهْرٍ حَتَّى تَعَلَّمْتُ، فَكَانَ إِذَا كَتَبَ إِلَى يَهُودَ كَتَبْتُ، وَإِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ قَرَأْتُ لَهُ كِتَابَهُمْ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ــ

٤٦٥٩ - (وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (قَالَ: «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَتَعَلَّمَ السُّرْيَانِيَّةَ» ) ، بِضَمِّ أَوَّلِهِ، وَهِيَ لِسَانُ الْيَهُودِ (وَفِي رِوَايَةٍ: «أَنَّهُ أَمَرَنِي أَنْ أَتَعَلَّمَ كِتَابَ يَهُودَ» ) ، أَيْ: كِتَابَتَهُمْ، وَمَآلُ الرِّوَايَتَيْنِ وَاحِدٌ. (وَقَالَ) أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَعْلِيلِ الْأَمْرِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِئْنَافِ الْمُبَيِّنِ (إِنِّي مَا آمَنُ) : بِمَدِّ هَمْزٍ وَفَتْحِ مِيمٍ مُضَارِعُ مُتَكَلِّمُ أَمِنَ الثُّلَاثِيِّ ضِدِّ خَافَ، أَيْ: مَا أَسْتَأْمِنُ (يَهُودَ) أَيْ: فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ (عَلَى كِتَابٍ) أَيْ: لَا فِي قِرَاءَتِهِ وَلَا فِي كِتَابَتِهِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَاسْتَعْمَلَ بِعَلَى؛ فَإِنَّ نَفْيَ الْأَمْنِ عِبَارَةٌ عَنِ الْخَوْفِ، كَأَنَّهُ قَالَ: أَخَافُ عَلَى كِتَابٍ كَمَا قَالَ إِخْوَةُ يُوسُفَ: " {مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ} [يوسف: ١١] "، اهـ.

وَفِيهِ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى إِنَّمَا يَسْتَقِيمُ فِي هَذَا الْمَبْنَى حَيْثُ دَخَلَ حَرْفُ النَّفْيِ عَلَى الصِّيغَةِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَتَعَدَّى بِعَلَى مِنْ غَيْرِ النَّفْيِ أَيْضًا، كَمَا فِي قَوْلِ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ} [يوسف: ٦٤] . وَكَذَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ: " «الْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ» "، قَالَ الْمُظْهِرُ أَيْ: أَخَافُ إِنْ أَمَرْتُ يَهُودِيًّا بِأَنْ يَكْتُبَ مِنِّي كِتَابًا إِلَى الْيَهُودِ أَنْ يَزِيدَ فِيهِ أَوْ يَنْقُصَ، وَأَخَافُ إِنْ جَاءَ كِتَابٌ مِنَ الْيَهُودِ فَيَقْرَؤُهُ يَهُودِيٌّ، فَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ فِيهِ.

(قَالَ) أَيْ: زَيْدٌ (فَمَا مَرَّ بِيَ) أَيْ: مَضَى عَلَيَّ مِنَ الزَّمَانِ (نِصْفُ شَهْرٍ حَتَّى تَعَلَّمْتُ) : فِي مَعْنَاهُ مُقَدَّرٌ، أَيْ: مَا مَرَّ بِيَ نِصْفٌ مِنَ الشَّهْرِ فِي التَّعَلُّمِ، حَتَّى كَمُلَ تَعَلُّمِي، قِيلَ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَعَلُّمِ مَا هُوَ حَرَامٌ فِي شَرْعِنَا لِلتَّوَقِّي وَالْحَذَرِ عَنِ الْوُقُوعِ فِي الشَّرِّ، كَذَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ فِي ذَيْلِ كَلَامِ الْمُظْهِرِ، وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ، إِذْ لَا يُعْرَفُ فِي الشَّرْعِ تَحْرِيمُ تَعَلُّمِ لُغَةٍ مِنَ اللُّغَاتِ سُرْيَانِيَّةٍ، أَوْ عِبْرَانِيَّةٍ، أَوْ هِنْدِيَّةٍ، أَوْ تُرْكِيَّةٍ، أَوْ فَارِسِيَّةٍ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ} [الروم: ٢٢] ، أَيْ: لُغَاتِكُمْ، بَلْ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُبَاحَاتِ، نَعَمْ يُعَدُّ مِنَ اللَّغْوِ، وَمِمَّا لَا يَعْنِي، وَهُوَ مَذْمُومٌ عِنْدَ أَرْبَابِ الْكَمَالِ، إِلَّا إِذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ فَائِدَةٌ، فَحِينَئِذٍ يُسْتَحَبُّ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ. (فَكَانَ) أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (إِذَا كَتَبَ إِلَى يَهُودَ) أَيْ: أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَيْهِمْ أَوْ إِذَا أَمَرَ بِالْكِتَابَةِ إِلَيْهِمْ (كَتَبْتُ) ، أَيْ بِلِسَانِهِمْ (وَإِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ قَرَأْتُ لَهُ) أَيْ: لِأَجْلِهِ، وَفِي نُسْخَةٍ عَلَيْهِ أَيْ: عِنْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (كِتَابَهُمْ) . أَيْ: مَكْتُوبَهُمْ إِلَيْهِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>