(٣) بَابُ الْمُصَافَحَةِ وَالْمُعَانَقَةِ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
٤٦٧٧ - عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِأَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَكَانَتِ الْمُصَافَحَةُ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: نَعَمْ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
الْمُصَافَحَةُ: هِيَ الْإِفْضَاءُ بِصَفْحَةِ الْيَدِ إِلَى صَفْحَةِ الْيَدِ، وَأَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَهَا أَهْلُ الْيَمَنِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ، وَابْنُ وَهْبٍ فِي جَامِعِهِ عَنْ أَنَسٍ رَفَعَهُ. ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ، وَفِي مُخْتَصِرِ النِّهَايَةِ لَهُ: أَنَّ التَّصْفِيحَ هُوَ التَّصْفِيقُ، وَهُوَ ضَرْبُ صَفْحَةِ الْكَفِّ عَلَى صَفْحَةِ الْأُخْرَى، وَمِنْهُ الْمُصَافَحَةُ، وَهِيَ إِلْصَاقُ صَفْحَةِ الْكَفِّ بِالْكَفِّ، وَفِي الْقَامُوسِ: الْمُصَافَحَةُ الْأَخْذُ بِالْيَدِ كَالتَّصَافُحِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَأْخُوذًا مِنَ الصَّفْحِ بِمَعْنَى الْعَفْوِ، وَيَكُونُ أَخْذُ الْيَدِ دَلَالَةً عَلَيْهِ كَمَا أَنَّ تَرْكَهُ مُشْعِرٌ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهُ. قَالَ النَّوَوِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الْمُصَافَحَةَ سُنَّةٌ وَمُسْتَحَبَّةٌ عِنْدَ كُلِّ لِقَاءٍ، وَمَا اعْتَادَهُ النَّاسُ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرْعِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَلَكِنْ لَا بَأْسَ بِهِ، فَإِنَّ أَصْلَ الْمُصَافَحَةِ سُنَّةٌ وَكَوْنَهُمْ مُحَافِظِينَ عَلَيْهَا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَمُفَرِّطِينَ فِيهَا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْوَالِ لَا يُخْرِجُ ذَلِكَ الْبَعْضَ عَنْ كَوْنِهِ مِنَ الْمُصَافَحَةِ الَّتِي وَرَدَ الشَّرْعُ بِأَصْلِهَا، وَهِيَ مِنَ الْبِدْعَةِ الْمُبَاحَةِ، وَقَدْ شَرَحْنَا أَنْوَاعَ الْبِدَعِ فِي أَوَّلِ كُتُبِ الِاعْتِصَامِ مُسْتَوْفًى اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ نَوْعُ تَنَاقُضٍ ; لِأَنَّ إِتْيَانَ السُّنَّةِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لَا يُسَمَّى بِدَعَةً مَعَ أَنَّ عَمَلَ النَّاسِ فِي الْوَقْتَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ الْمَشْرُوعِ، فَإِنَّ مَحَلَّ الْمُصَافَحَةِ الْمَشْرُوعَةِ أَوَّلُ الْمُلَاقَاةِ، وَقَدْ يَكُونُ جَمَاعَةٌ يَتَلَاقَوْنَ مِنْ غَيْرِ مُصَافِحَةٍ وَيَتَصَاحَبُونَ بِالْكَلَامِ وَمُذَاكِرَةِ الْعِلْمِ وَغَيْرِهِ مُدَّةً مَدِيدَةً، ثُمَّ إِذَا صَلَّوْا يَتَصَافَحُونَ، فَأَيْنَ هَذَا مِنَ السُّنَّةِ الْمَشْرُوعَةِ، وَلِهَذَا صَرَّحَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا بِأَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ حِينَئِذٍ، وَأَنَّهَا مِنَ الْبِدَعِ الْمَذْمُومَةِ، نَعَمْ لَوْ دَخَلَ أَحَدٌ فِي الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ عَلَى إِرَادَةِ الشُّرُوعِ فِيهَا، فَبَعْدَ الْفَرَاغِ لَوْ صَافَحَهُمْ، لَكِنْ بِشَرْطِ سَبْقِ السَّلَامِ عَلَى الْمُصَافَحَةِ، فَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْمُصَافَحَةِ الْمَسْنُونَةِ بِلَا شُبْهَةٍ، وَمَعَ هَذَا إِذَا مَدَّ مُسْلِمٌ يَدَهُ لِلْمُصَافَحَةِ، فَلَا يَنْبَغِي الْإِعْرَاضُ عَنْهُ بِجَذْبِ الْيَدِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ أَذًى يَزِيدُ عَلَى مُرَاعَاةِ الْأَدَبِ، فَحَاصِلُهُ أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِالْمُصَافَحَةِ حِينَئِذٍ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ مَكْرُوهٌ لَا الْمُجَابَرِةَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يُقَالُ فِيهِ نَوْعُ مُعَاوَنَةٍ عَلَى الْبِدْعَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، ثُمَّ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْتَرَزَ عَنْ مُصَافَحَةِ الْأَمْرَدِ الْحَسَنِ الْوَجْهِ، فَإِنَّ النَّظَرَ إِلَيْهِ حَرَامٌ كَمَا بَسَطْنَا الْقَوْلَ فِيهِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: كُلُّ مِنْ حَرُمَ النَّظَرُ إِلَيْهِ حَرُمَ مَسُّهُ، بَلْ مَسُّهُ أَشَدُّ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَى الْأَجْنَبِيَّةِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا. وَفِي حَالِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَلَا يَجُوزُ مَسُّهَا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ اهـ. ثُمَّ الْمُعَانَقَةُ وَالتَّعَانُقُ فِي الْمَحَبَّةِ وَالِاعْتِنَاقُ فِي الْحَرْبِ وَنَحْوِهَا عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ، لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا وَرَدَ مِنْ أَنَّ الْحَسَنَ جَاءَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْعَى حَتَّى اعْتَنَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَذْكُرَ التَّقْبِيلَ أَيْضًا فِي عُنْوَانِ الْبَابِ لِمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ أَحَادِيثِهِ.
٤٦٧٧ - (عَنْ قَتَادَةَ) : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ أَكَابِرِ التَّابِعِينَ (قَالَ: قُلْتُ لِأَنَسٍ: أَكَانَتِ الْمُصَافَحَةُ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟) ، أَيْ: ثَابِتَةً وَمَوْجُودَةً فِيهِمْ حَالَ مُلَاقَاتِهِمْ بَعْدَ السَّلَامِ زِيَادَةً لِلْمَوَدَّةِ وَالْإِكْرَامِ (قَالَ: نَعَمْ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute