وَيَجُوزُ ضَمُّ أَوَّلِهِ وَسُكُونُ ثَانِيهِ بِمَعْنَى الْأَوْلَادِ (مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا) ، أَيْ: فِي مُدَّةِ عُمْرِي أَبَدًا (فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، أَيْ: نَظَرَ تَعَجُّبٍ أَوْ نَظَرَ غَضَبٍ (ثُمَّ قَالَ: «مَنْ لَا يَرْحَمْ لَا يُرْحَمْ» ) . بِسُكُونِ الْمِيمِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِضَمِّهَا فِيهِمَا. قَالَ الطِّيبِيُّ: يَجُوزُ فِيهِ الْجَزْمُ وَالرَّفْعُ عَلَى أَنَّ مَنْ مَوْصُولَةٌ أَوْ شَرْطِيَّةٌ، وَلَعَلَّ وَضْعَ الرَّحْمَةِ فِي الْأَوَّلِ لِلْمُشَاكَلَةِ، فَإِنَّ الْمَعْنَى: مَنْ لَمْ يُشْفِقْ عَلَى الْأَوْلَادِ لَا يَرْحَمْهُ اللَّهُ تَعَالَى، أَوْ أَتَى بِالْعَامِّ لِتَدْخُلَ الشَّفَقَةُ أَوَّلِيًّا اهـ. وَالثَّانِي أَتَمُّ وَفَائِدَتُهُ أَعَمُّ وَلِهَذَا حَذَفَ الْمَفْعُولَ لِيَذْهَبَ الْفَهْمُ كُلَّ الْمَذْهَبِ، فَهُوَ بِالِاعْتِبَارِ أَقْرَبُ وَأَنْسَبُ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: تَقْبِيلُ الرَّجُلِ خَدَّ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَاجِبٌ، وَكَذَا غَيْرُ خَدِّهِ مِنْ أَطْرَافِهِ وَنَحْوِهَا عَلَى وَجْهِ الشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ وَاللُّطْفِ، وَمَحَبَّةُ الْقَرَابَةِ سُنَّةٌ، سَوَاءٌ كَانَ الْوَلَدُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، وَكَذَا قُبْلَةُ وَلَدِ صَدِيقِهِ وَغَيْرِهِ مِنْ صِغَارِ الْأَطْفَالِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَأَمَّا التَّقْبِيلُ بِالشَّهْوَةِ فَحَرَامٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْوَالِدُ وَغَيْرُهُ اهـ. وَكَوْنُ تَقْبِيلِ الرَّجُلِ خَدَّ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَاجِبًا يَحْتَاجُ إِلَى حَدِيثٍ صَرِيحٍ أَوْ قِيَاسٍ صَحِيحٍ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَدِيثُ: " «مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ» " أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ جَرِيرٍ. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَالشَّيْخَيْنِ وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ جَرِيرٍ، وَلِأَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ أَيْضًا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ بِلَفْظِ: " «مَنْ لَا يَرْحَمِ النَّاسَ لَا يَرْحَمْهُ اللَّهُ» ". وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ جَرِيرٍ وَلَفْظُهُ: " «مَنْ لَا يَرْحَمْ مَنْ فِي الْأَرْضِ لَا يَرْحَمْهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ» ". وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ عَنْ جَرِيرٍ: " «مَنْ لَا يَرْحَمْ لَا يُرْحَمْ، وَمَنْ لَا يَغْفِرْ لَا يُغْفَرْ لَهُ» ". وَزَادَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ جَرِيرٍ، " «وَمَنْ لَا يَتُبْ لَا يُتَبْ عَلَيْهِ» " اهـ.
فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ نَصٌّ عَلَى أَنَّ مَنْ فِي الْحَدِيثِ شَرْطِيَّةٌ جَازِمَةٌ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ: (وَسَنَذْكُرُ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَثَمَّ) : بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَشَدِّ الْمِيمِ، أَيْ: أَهُنَاكَ (لُكَعُ) : بِضَمِّ لَامٍ وَفَتْحِ كَافٍ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ وَقَدْ يَنْصَرِفُ وَهُوَ الصَّبِيُّ، وَيَعْنِي بِهِ حَسَنًا، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ يَسْعَى حَتَّى اعْتَنَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ. الْحَدِيثَ (فِي " مَنَاقِبِ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ " إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) : مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: سَنَذْكُرُ. (وَذَكَرَ حَدِيثَ أُمِّ هَانِئٍ فِي بَابِ الْإِيمَانِ) : وَفِي حَدِيثِهَا: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا: " مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ " فَفِيهِ أَنَّ التَّرْحِيبَ سُنَّةٌ لِلْقَادِمِ وَغَيْرِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute