للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(لَمْ يَقُومُوا، لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ كَرَاهِيَتِهِ لِذَلِكَ) . أَيْ: لِقِيَامِهِمْ تَوَاضُعًا لِرَبِّهِ وَمُخَالَفَةً لِعَادَةِ الْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ، بَلِ اخْتَارَ الثَّبَاتَ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي تَرْكِ التَّكَلُّفِ فِي قِيَامِهِمْ وَجُلُوسِهِمْ، وَأَكْلِهِمْ وَشُرْبِهِمْ، وَلُبْسِهِمْ وَمَشْيِهِمْ، وَسَائِرِ أَفْعَالِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ، وَلِذَا رُوِيَ: " «أَنَا وَأَتْقِيَاءُ أُمَّتِي بُرَآءُ مِنَ التَّكَلُّفِ» ". قَالَ الطِّيبِيُّ: وَلَعَلَّ الْكَرَاهِيَةَ بِسَبَبِ الْمَحَبَّةِ الْمُقْتَضِيةِ لِلِاتِّحَادِ الْمُوجِبِ لِرَفْعِ التَّكَلُّفِ وَالْحِشْمَةِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: لَمْ يَكُنْ شَخْصٌ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَامِدٍ: مَهْمَا تَمَّ الِاتِّحَادُ خَفَّتِ الْحُقُوقُ بَيْنَهُمْ مِثْلُ الْقِيَامِ وَالِاعْتِذَارِ وَالثَّنَاءِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حُقُوقِ الصُّحْبَةِ، لَكِنْ فِي ضِمْنِهَا نَوْعٌ مِنَ الْأَجْنَبِيَّةِ وَالتَّكَلُّفِ، فَإِذَا تَمَّ الِاتِّحَادُ انْطَوَى بِسَاطُ التَّكَلُّفِ بِالْكُلِّيَّةِ، فَلَا يَسْلُكُ بِهِ إِلَّا مَسْلَكَ نَفْسِهِ ; لِأَنَّ هَذِهِ الْآدَابَ الظَّاهِرَةَ عُنْوَانُ الْآدَابِ الْبَاطِنَةِ، فَإِذَا صَفَتِ الْقُلُوبُ بِالْمَحَبَّةِ اسْتَغْنَتْ عَنْ تَكَلُّفِ إِظْهَارِ مَا فِيهَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقِيَامَ وَتَرْكَهُ مُخْتَلِفٌ بِحَسْبِ الْأَزْمَانِ وَالْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>