نَصَّ عَلَيْهِ السُّيُوطِيُّ، وَجَوَّزَ كَسْرَهُ الْقَامُوسُ (وَحَمِدَ اللَّهَ) : قَالَ الْحَلِيمِيُّ: الْحِكْمَةُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْحَمْدِ لِلْعَاطِسِ أَنَّ الْعُطَاسَ يَدْفَعُ الْأَذَى مِنَ الدِّمَاغِ الَّذِي فِيهِ قُوَّةُ الْفِكْرِ، وَمِنْهُ يَنْشَأُ الْأَعْصَابُ الَّتِي هِيَ مَعْدِنُ الْحِسِّ وَبِسَلَامَتِهِ تَسْلَمُ الْأَعْصَابُ، فَهُوَ نِعْمَةٌ جَلِيلَةٌ يُنَاسِبُ أَنْ تُقَابَلَ بِالْحَمْدِ (كَانَ حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) : فِيهِ إِيذَانٌ بِأَنَّ التَّشْمِيتَ فَرْضُ عَيْنٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضٌ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَهُوَ لَا يُنَافِي الْحَدِيثَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، لَكِنْ يَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ لِدَلِيلٍ آخَرَ أَوْ بِالْقِيَاسِ عَلَى رَدِّ السَّلَامِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنَّهُ سُنَّةٌ وَحَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى النَّدْبِ، ثُمَّ قَوْلُهُ: (سَمِعَهُ) : صِفَةٌ لِمُسْلِمٍ احْتِرَازًا مِنْ حَالِ عَدَمِ سَمَاعِهِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْأَمْرُ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ السَّلَامِ وَسَائِرِ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ مِنْ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ، وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَنَحْوِهَا. وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّحْمِيدِ حَتَّى يَسْمَعَ مَنْ عِنْدَهُ وَيَسْتَحِقَّ التَّشْمِيتَ، وَقَوْلُهُ: (أَنْ يَقُولَ) : اسْمُ كَانَ أَيْ: يَرُدَّ كُلُّ مُسْلِمٍ سَامِعٍ (لَهُ) : أَيْ: لِلْعَاطِسِ الْحَامِدِ (يَرْحَمُكَ اللَّهُ) : فَهَذَا حُكْمُ الْعُطَاسِ (فَأَمَّا التَّثَاؤُبُ إِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ) أَيْ: مِمَّا يَفْرَحُ بِهِ، أَوْ يَبْعَثُ عَلَى الْبَاعِثِ الْجَاذِبِ إِلَيْهِ؛ فَلِذَا لَا يُحْمَدُ عَلَيْهِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: صَارَ الْعُطَاسُ مَحْمُودًا؛ لِأَنَّهُ يُعِينُ عَلَى الطَّاعَاتِ، وَالتَّثَاؤُبُ مَذْمُومًا؛ لِأَنَّهُ يُثْنِيهِ وَيُصْرِفُهُ عَنِ الْخَيْرَاتِ، فَالْمَحَبَّةُ وَالْكَرَاهِيَةُ تَنْصَرِفُ إِلَى الْأَسْبَابِ الْجَالِبَةِ لَهَا، وَإِنَّمَا أُضِيفَ إِلَى الشَّيْطَانِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُزَيِّنُ لِلنَّفْسِ شَهْوَتَهَا، وَقِيلَ: مَا تَثَاءَبَ نَبِيٌّ قَطُّ. ( «فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ» ) أَيْ: يَكْظِمْ فَمَهُ (فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَثَاءَبَ) أَيْ: وَفَتَحَ فَاهُ (ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ) أَيْ: فَرَحًا بِذَلِكَ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) : وَوَافَقَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الْجُمْلَةِ الْأُولَى.
(وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ) : الظَّاهِرُ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ (فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَالَ: هَا) : مَقْصُورًا أَيْ: إِذَا بَالَغَ فِي التَّثَاؤُبِ وَفَتْحِ الْفَمِ، وَقِيلَ: هُوَ حِكَايَةُ صَوْتِ الْمُتَثَائِبِ (ضَحِكَ الشَّيْطَانُ مِنْهُ) : وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: إِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَالَ: هَا ضَحِكَ الشَّيْطَانُ مِنْهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَالشَّيْخَيْنِ، وَأَبِي دَاوُدَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ بِلَفْظِ: إِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فَمِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ مَعَ التَّثَاؤُبِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ مَاجَهْ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: إِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فِيهِ وَلَا يَعْوِي، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَضْحَكُ مِنْهُ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَغَيْرِهِ: «إِذَا تَجَشَّأَ أَحَدُكُمْ أَوْ عَطَسَ فَلَا يَرْفَعْ بِهِمَا الصَّوْتَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ بِهِمَا الصَّوْتُ» . وَفِي رِوَايَةٍ لِلْحَاكِمِ وَالْبَيْهَقِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَضَعْ كَفَّيْهِ عَلَى وَجْهِهِ وَلْيُخْفِضْ صَوْتَهُ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute