وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ وَقَعَ مِنْ سَبْقِ اللِّسَانِ، كَمَا قَدْ يُشَاهَدُ مِنْ غَيْرِهِ، لَكِنْ يُرَجَّحُ الْأَوَّلُ حَيْثُ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ (فَقَالَ لَهُ سَالِمٌ: وَعَلَيْكَ) : بِالْوَاوِ (وَعَلَى أُمِّكَ) : نَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى حَمَاقَتِهَا؛ حَيْثُ سَرَى فِيهِ مِنْ صِفَاتِهَا، فَافْتَقَرَ إِلَى الدُّعَاءِ بِالسَّلَامَةِ مِنَ الْآفَاتِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِنِسْبَةِ الْحَمَاقَةِ إِلَى ذَاتِهَا الْغَائِبَةِ، وَلِسَرَيَانِ صِفَاتِهَا إِلَى وَلَدِهَا، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا، بَلْ إِنَّمَا هُوَ دُعَاءٌ لَهُمَا بِالسَّلَامَةِ، لَكِنْ عَلَى طِبْقِ كَلَامِهِ؛ حَيْثُ وَقَعَ فِي غَيْرِ مَوْقِعِهِ، نَعَمْ قَدْ يُقَالُ الْأَوْجَهُ فِي وَجْهِ تَخْصِيصِ الْأُمِّ أَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ تَرْبِيَتِهَا إِيَّاهُ دُونَ أَبِيهِ، فَإِنَّهُنَّ نَاقِصَاتُ الْعَقْلِ وَالدِّينِ، وَلَمْ يَعْرِفْنَ تَفْصِيلَ الْآدَابِ بِخِلَافِ الْآبَاءِ، فَإِنَّهُمْ لِمُعَاشَرَةِ الْعُلَمَاءِ يَعْرِفُونَ غَالِبًا مِثْلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ (فَكَأَنَّ الرَّجُلَ) : بِتَشْدِيدِ النُّونِ (وَجَدَ) أَيِ: الْكَرَاهَةَ أَوِ الْخَجَالَةَ أَوِ الْحُزْنَ لِمَا قَالَ سَالِمٌ (فِي نَفْسِهِ) : لَكِنْ لَمْ يُظْهِرْهُ وَظَهَرَ عَلَيْهِ بَعْضُ آثَارِهِ، وَقَالَ شَارِحٌ أَيْ: غَضِبَ أَوْ حَزِنَ مِنَ الْمَوْجِدَةِ، وَهُوَ الْغَضَبُ أَوِ الْوَجْدُ، وَهُوَ الْحُزْنُ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَجَدَ عَلَيْهِ فِي الْغَضَبِ مَوْجِدَةً وَوُجْدَانًا أَيْضًا، وَوَجَدَ فِي الْحُزْنِ وَجْدًا بِالْفَتْحِ، وَفِي الْحَدِيثِ إِذَا حُمِلَ عَلَى الْغَضَبِ قِيلَ: وَجَدَ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ أَيْ: لَمْ يُظْهِرِ الْغَضَبَ وَكَظَمَ الْغَيْظَ، وَإِذَا حُمِلَ عَلَى الْحُزْنِ قِيلَ أَيْ: أَوْقَعَ الْحُزْنَ فِي نَفْسِهِ (فَقَالَ) أَيْ: سَالِمٌ (أَمَا) : بِالتَّخْفِيفِ لِلتَّنْبِيهِ (إِنِّي لَمْ أَقُلْ إِلَّا مَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ: فَأَنَا مُتَّبِعٌ لَا مُبْتَدِعٌ (إِذْ «عَطَسَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَيْكَ» ) : بِلَا وَاوٍ (وَعَلَى أُمِّكَ) : قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: نَبَّهَ بِقَوْلِهِ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمِّكَ عَلَى بَلَاهَتِهِ وَبَلَاهَةِ أُمِّهِ، وَأَنَّهَا كَانَتْ مُحَمَّقَةً، فَصَارَا مُفْتَقِرَيْنِ إِلَى السَّلَامِ فَيَسْلَمَانِ بِهِ مِنَ الْآفَاتِ اهـ. وَفِيهِ مَعَ مَا سَبَقَ أَنَّ تَقْدِيرَ السَّلَامِ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ فِي الْمَقَامِ، إِذْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: مَعْنَاهُ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمِّكَ الْمَلَامُ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ التَّعَلُّمِ وَالْإِعْلَامِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ رَدَّ السَّلَامِ، بَلِ الْقَصْدُ زَجْرُهُ عَنْ هَذَا الْكَلَامِ الْوَاقِعِ فِي غَيْرِ الْمَرَامِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: إِذَا قَالَ الْعَاطِسُ لَفْظًا آخَرَ غَيْرَ الْحَمْدِ لِلَّهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ التَّشْمِيتَ. قُلْتُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إِذَا سَلَّمَ كَذَلِكَ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْجَوَابَ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ سَلَامُهُ فِي غَيْرِ صَوْبِ الصَّوَابِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا زَجَرَهُ وَمَزَجَ مِنْ كَلَامِهِ الْحَقِّ بِطِيبِ حَلَاوَةِ مَزْجِهِ الصِّدْقَ، نَصَحَ وَأَفَادَ وَعَمَّ الْعِبَادَ. (فَقَالَ: إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ) أَيِ: اسْتِحْبَابًا (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) أَيْ: مَثَلًا (وَلْيَقُلْ لَهُ مَنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ) أَيْ: وُجُوبًا (يَرْحَمُكَ اللَّهُ) أَيْ: مَثَلًا (وَلْيَقُلْ) أَيِ: الْعَاطِسُ نَدْبًا (يَغْفِرُ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ) أَيْ: مَثَلًا، وَقَالَ: الْأَوْلَى أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute