(٧) بَابُ الضَّحِكِ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
٤٧٤٥ - عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْتَجْمِعًا ضَاحِكًا حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ، إِنَّمَا كَانَ يَبْتَسِمُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
[٧] بَابُ الضَّحِكِ
هُوَ بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ فِي الْأُصُولِ، وَفِي الْقَامُوسِ: ضَحِكَ ضَحِكًا بِالْفَتْحِ وَبِالْكَسْرِ وَبِكَسْرَتَيْنِ كَكِتِفٍ، هَذَا وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ بِالضَّحِكِ الْمَعْنَى الْأَعَمَّ الشَّامِلَ لِلتَّبَسُّمِ، وَإِلَّا فَكَانَ أَكْثَرُ ضَحِكِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَبَسُّمًا، أَوْ أَرَادَ بِالضَّحِكِ مِنْ حَيْثُ هُوَ اسْتِدْلَالًا عَلَى جَوَازِهِ بِوُقُوعِهِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَأَمَّا مَا نَقَلَ الْبَغَوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} [الكهف: ٤٩] ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الصَّغِيرَةُ التَّبَسُّمُ، وَالْكَبِيرَةُ الضَّحِكُ، فَمَحْمُولٌ عَلَى سُخْرِيَةِ الْكُفَّارِ بِالْمُؤْمِنِينَ، أَوْ جَهَلَةِ الْفُجَّارِ بِالْعُلَمَاءِ الصَّالِحِينَ، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} [المطففين: ٢٩] .
٤٧٤٥ - (عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْتَجْمِعًا ضَاحِكًا) أَيْ: مَا أَبْصَرْتُهُ حَالَ كَوْنِهِ مُسْتَجْمِعًا مِنْ جِهَةِ الضَّحِكِ، فَقَوْلُهُ: ضَاحِكًا نُصِبَ عَلَى التَّمْيِيزِ، وَإِنْ كَانَ مُشْتَقًّا كَقَوْلِهِ: لِلَّهِ دَرُّهُ فَارِسًا، وَالْمَعْنَى: مَا رَأَيْتُهُ يَضْحَكُ تَامًّا مُقْبِلًا بِكُلِّيَّتِهِ عَلَى الضَّحِكِ (حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ) : بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْهَاءِ جَمْعُ اللَّهَاةِ، وَهِيَ اللَّحَمَاتُ فِي سَقْفِ أَقْصَى الْفَمِ مُشْرِفَةً عَلَى الْحَلْقِ (إِنَّمَا كَانَ يَبْتَسِمُ) أَيْ: غَالِبًا، وَقَدْ يَضْحَكُ، لَكِنْ لَا يَصِلُ إِلَى الْحَدِّ الْمَذْكُورِ، وَالْإِعْرَابُ السَّابِقُ زُبْدَةُ كَلَامِ الطِّيبِيِّ، وَمَالَ ابْنُ الْمَلَكِ إِلَى أَنَّ قَوْلَهُ: ضَاحِكًا حَالٌ أَيْ: مَا رَأَيْتُهُ مُسْتَجْمِعًا لِضَحِكِهِ فِي حَالِ ضَحِكِهِ، أَيْ: لَمْ أَرَهُ يَضْحَكُ ضَحِكًا تَامًّا ضَاحِكًا بِجَمِيعِ فَمِهِ اهـ. وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ شَارِحٍ سَبَقَهُ، وَقَالَ: فَكَأَنَّهَا قَالَتْ مُسْتَجْمِعًا ضَحِكًا، وَفِي الْمِصْبَاحِ: اسْتَجْمَعَتْ شَرَائِطُ الْإِمَامَةِ وَاجْتَمَعَتْ بِمَعْنَى حَصَلَتْ، فَالْفِعْلَانِ عَلَى اللُّزُومِ، وَحِينَئِذٍ لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرِ مَفْعُولٍ. وَفِي الْمُغْرِبِ: اسْتَجْمَعَ السَّيْلُ اجْتَمَعَ مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ، وَاسْتَجْمَعَتْ لِلْمَرْءِ أُمُورُهُ اجْتَمَعَ لَهُ مَا يُحِبُّهُ وَهُوَ لَازِمٌ، كَمَا تَرَى. وَقَوْلُهُ: اسْتَجْمَعَ الْفَرَسُ جَرْيًا نُصِبَ عَلَى التَّمْيِيزِ، وَأَمَّا قَوْلُ الْفُقَهَاءِ: مُسْتَجْمِعًا شَرَائِطَ الْجُمُعَةِ فَلَيْسَ يَثْبُتُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) : وَرَوَى أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَضْحَكُ إِلَّا تَبَسُّمًا» . جَعَلَ التَّبَسُّمَ مِنَ الضَّحِكِ، وَاسْتَثْنَى مِنْهُ فَإِنَّ التَّبَسُّمَ مِنَ الضَّحِكِ بِمَنْزِلَةِ السِّنَةِ مِنَ النَّوْمِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا} [النمل: ١٩] ، أَيْ: شَارِعًا فِي الضَّحِكِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute