للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَهُوَ مُطَابِقٌ لِمَا فِي أَصْلِ الْمَصَابِيحِ. هَذَا مُجْمَلُ الْكَلَامِ فِي مَقَامِ الْمَرَامِ، وَقَالَ الْقَاضِي: أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ إِذَا أُضِيفَ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ زَائِدٌ عَلَى الْمُضَافِ إِلَيْهِمْ فِي الْخَصْلَةِ الَّتِي هُوَ وَهُمْ مُشْتَرِكُونَ فِيهَا جَازَ الْإِفْرَادُ وَالتَّذْكِيرُ فِي الْحَالَاتِ كُلِّهَا وَتَطَبُّقُهَا، لِمَا هُوَ وَصْفٌ لَهُ لَفْظًا وَمَعْنًى، وَقَدْ جُمِعَ الْوَجْهَانِ فِي الْحَدِيثِ، فَأُفْرِدَ (أَحَبَّ) وَ (أَبْغَضَ) وَجُمِعَ (أَحَاسِنُ) وَ (أَسَاوِي) فِي رِوَايَةِ مَنْ رَوَى أَسَاوِيكُمْ بَدَلَ مَسَاوِيكُمْ، وَهُوَ جَمْعُ مَسْوَأٍ كَمَحَاسِنَ فِي جَمْعِ مَحْسَنٍ، وَهُوَ إِمَّا مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ نُعِتَ بِهِ ثُمَّ جُمِعَ، أَوِ اسْمُ مَكَانٍ بِمَعْنَى الْأَمْرِ الَّذِي فِيهِ السُّوءُ، فَأُطْلِقَ عَلَى الْمَنْعُوتِ بِهِ مَجَازًا. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: أَرَادَ بِأَبْغَضِكُمْ بِغِيضَكُمْ وَبِأَحَبِّكُمُ التَّفْضِيلَ، فَلَا يَكُونُ الْمُخَاطَبُونَ بِأَجْمَعِهِمْ مُشْتَرِكِينَ فِي الْبُغْضِ وَالْمَحَبَّةِ. وَقَالَ الْحَاجِبِيُّ: تَقْدِيرُهُ أَحَبُّ الْمَحْبُوبِينَ مِنْكُمْ وَأَبْغَضُ الْمَبْغُوضِينَ مِنْكُمْ، وَيَجُوزُ إِطْلَاقُ الْعَامِّ وَإِرَادَةُ الْخَاصِّ لِلْقَرِينَةِ.

قَالَ الطِّيبِيُّ: إِذَا جُعِلَ الْخِطَابُ خَاصًّا بِالْمُؤْمِنِينَ، فَكَمَا لَا يَجُوزُ أَبْغَضُكُمْ لَا يَجُوزُ بِغِيضُكُمْ لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي الْمَحَبَّةِ، فَالْقَوْلُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ عَامٌّ يَدْخُلُ فِيهِ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ وَالْمُوَفَّقُ وَالْمُنَافِقُ، فَإِذَا أُرِيدَ بِهِ الْمُنَافِقُ الْحَقِيقِيُّ، فَالْكَلَامُ ظَاهِرٌ، وَإِذَا أُرِيدَ بِهِ غَيْرُ الْحَقِيقِيِّ كَمَا سَبَقَ فِي كِتَابِ عَلَامَاتِ النِّفَاقِ فَمُسْتَقِيمٌ أَيْضًا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (الثِّرْثَارُونَ) إِلَخْ. وَهُوَ إِمَّا بَدَلٌ مِنْ مُسَاوِيكُمْ أَخْلَاقًا، فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْأَوْصَافُ أَسْوَأَ الْأَخْلَاقِ؛ لِأَنَّ الْمُبْدَلَ كَالتَّمْهِيدِ وَالتَّوْطِئَةِ، وَإِمَّا رُفِعَ عَلَى الذَّمِّ، فَإِنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، فَيَكُونُ أَشْنَعَ وَأَبْلَغَ. وَفِي النِّهَايَةِ: الثِّرْثَارُونَ هُمُ الَّذِينَ يُكْثِرُونَ الْكَلَامَ تَحَلُّفًا وَخُرُوجًا عَنِ الْحَقِّ مِنَ الثَّرْثَرَةِ، وَهِيَ كَثْرَةُ الْكَلَامِ وَتَرْدِيدُهُ (الْمُتَشَدِّقُونَ) أَيِ: الْمُتَوَسِّعُونَ فِي الْكَلَامِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاطٍ وَاحْتِرَازٍ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْمُتَشَدِّقِ الْمُسْتَهْزِئَ بِالنَّاسِ يَلْوِي شِدْقَهُ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ، وَقِيلَ: هُمُ الْمُتَكَلِّفُونَ فِي الْكَلَامِ فَيَلْوِي بِهِ شِدْقَيْهِ، وَالشِّدْقُ جَانِبُ الْفَمِ (الْمُتَفَيْهِقُونَ) أَيِ: الَّذِينَ يَمْلَئُونَ أَفْوَاهَهُمْ بِالْكَلَامِ وَيَفْتَحُونَهَا مِنَ الْفَهْقِ وَهُوَ الِامْتِلَاءُ وَالِاتِّسَاعُ، قِيلَ: وَهَذَا مِنَ التَّكَبُّرِ وَالرُّعُونَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى مَعْنَى التَّرْدِيدِ فِي الْكَلَامِ لِيَمِيلَ بِقُلُوبِ النَّاسِ وَأَسْمَاعِهِمْ إِلَيْهِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَزَادَ فِي الْفَائِقِ وَالنِّهَايَةِ عَلَى هَذَا أَيْ: عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ، أَوْ عَلَى هَذَا الْوَصْفِ الْمَعْهُودِ الْمَحْمُودِ، الْمُوطَّئُونَ أَكْنَافًا الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ. قَالَ: وَهَذَا مَثَلٌ وَحَقِيقَتُهُ مِنَ التَّوْطِئَةِ وَهِيَ التَّمْهِيدُ وَالتَّذْلِيلُ، وَفِرَاشٌ وَطِيءٌ لَا يُؤْذِي جَنْبَ النَّائِمِ، وَالْأَكْنَافُ الْجَوَانِبُ أَرَادَ الَّذِينَ جَوَانِبُهُمْ وَطِيئَةٌ يَتَمَكَّنُ فِيهَا مَنْ يُصَاحِبُهُمْ وَلَا يَتَأَذَّى. (رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>