للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَقَالَ الطِّيبِيُّ: هَذَا جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ يَعْنِي: لَيْسَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ سَمَاعُ الْيَرَاعِ مُبَاحٌ، وَالْمَنْعُ لَيْسَ لِلتَّحْرِيمِ بَلْ لِلتَّنْزِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَرَامًا لَمَنَعَ أَيْضًا نَافِعًا عَنِ الِاسْتِمَاعِ، وَالْجَوَابُ: إِنَّ نَافِعًا لَمْ يَبْلُغْ مَبْلَغَ التَّكْلِيفِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: وَكُنْتُ إِذْ ذَاكَ صَغِيرًا وَلَوْ لَمْ يَذْهَبْ إِلَى هَذِهِ الْفَائِدَةِ لَكَانَ وَصْفُهُ لِنَفْسِهِ بِالصِّغَرِ ضِحْكَةً لِلسَّاخِرِينَ كَمَا فِي قَوْلِكَ: الْمَيِّتُ الْيَهُودِيُّ لَا يُبْصِرُ هَذَا، وَذِكْرُ الْحَدِيثِ بُعَيْدَ السَّابِقِ مُشْعِرٌ بِأَنَّ اسْتِمَاعَ الْغِنَاءِ وَالْمِزْمَارِ وَالْيَرَاعِ مِنْ وَادٍ وَاحِدٍ، أَيْ: فِي الْجُمْلَةِ. وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: اتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِ الْمَزَامِيرِ وَالْمَلَاهِي وَالْمَعَازِفِ، وَكَانَ الَّذِي سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ صَفَّارَةَ الرُّعَاةِ، وَقَدْ جَاءَ مَذْكُورًا فِي الْحَدِيثِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ يَقْتَصِرُ فِيهِ عَلَى سَدِّ الْمَسَامِعِ دُونَ الْمُبَالَغَةِ فِي الرَّدِّ وَالزَّجْرِ، وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُهُمْ فِي صَفَّارَةِ الرُّعَاةِ اهـ.

وَلَعَلَّهُ كَانَ صَاحِبُ الْيَرَاعِ يَهُودِيًّا، مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْ بَعِيدًا عَنِ الْمُوَاجَهَةِ، هَذَا وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: أَمَّا اسْتِمَاعُ صَوْتِ الْمَلَاهِي كَالضَّرْبِ بِالْقَضِيبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ حَرَامٌ وَمَعْصِيَةٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «اسْتِمَاعُ الْمَلَاهِي مَعْصِيَةٌ، وَالْجُلُوسُ عَلَيْهَا فِسْقٌ، وَالتَّلَذُّذُ بِهَا مِنَ الْكُفْرِ» " إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّشْدِيدِ وَإِنْ سَمِعَ بَغْتَةً فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَجْتَهِدَ كُلَّ الْجَهْدِ حَتَّى لَا يَسْمَعَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِي أُذُنَيْهِ، وَأَمَّا قِرَاءَةُ أَشْعَارِ الْعَرَبِ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ ذِكْرِ الْفِسْقِ وَالْخَمْرِ وَالْغُلَامِ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرُ الْفَوَاحِشِ (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>