٤٨١٤ - وَعَنْ " عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
٤٨١٤ - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سِبَابُ الْمُسْلِمِ) : بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَيْ: شَتْمُهُ وَهُوَ مِنْ بَابِ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى مَفْعُولِهِ (فُسُوقٌ) ؛ لِأَنَّ شَتْمَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ حَرَامٌ. قَالَ الْأَكْمَلُ: الْفُسُوقُ لُغَةً الْخُرُوجُ زِنَةً وَمَعْنًى، وَشَرْعًا هُوَ الْخُرُوجُ عَنِ الطَّاعَةِ (وَقِتَالُهُ) أَيْ: مُحَارَبَتُهُ لِأَجْلِ الْإِسْلَامِ (كُفْرٌ) . كَذَا قَالَهُ شَارِحٌ، لَكِنْ بُعْدُهُ لَا يَخْفَى؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ مَعْلُومِ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ فَلَا يُحْتَاجُ إِلَى بَيَانِهِ، بَلِ الْمَعْنَى: مُجَادَلَتُهُ وَمُحَارَبَتُهُ بِالْبَاطِلِ كُفْرٌ بِمَعْنَى: كُفْرَانُ النِّعْمَةِ وَالْإِحْسَانِ فِي أُخُوَّةِ الْإِسْلَامِ، وَأَنَّهُ رُبَّمَا يَئُولُ إِلَى الْكُفْرِ، أَوْ أَنَّهُ فِعْلُ الْكَفَرَةِ، أَوْ أَرَادَ بِهِ التَّغْلِيظَ وَالتَّهْدِيدَ وَالتَّشْدِيدَ فِي الْوَعِيدِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَنْ تَرَكَ صَلَاةً مُتَعَمِّدًا فَقَدْ كَفَرَ» " نَعَمْ قِتَالُهُ مَعَ اسْتِحْلَالِ قَتْلِهِ كُفْرٌ صَرِيحٌ، فَفِي النِّهَايَةِ السَّبُّ الشَّتْمُ، يُقَالُ: سَبَّهُ يَسُبُّهُ سَبًّا وَسِبَابًا. قِيلَ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ سَبَّ أَوْ قَاتَلَ مُسْلِمًا مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ، وَقِيلَ: إِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ التَّغْلِيظِ، لَا أَنَّهُ يُخْرِجُهُ إِلَى الْفِسْقِ وَالْكُفْرِ، وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ إِذَا اسْتَبَاحَ دَمَهُ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ وَلَمْ يَرَ الْإِسْلَامَ عَاصِمًا لَهُ فَهُوَ رِدَّةٌ وَكُفْرٌ. قَالَ الطِّيبِيُّ: مَعْنَى الْحَدِيثِ رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» " وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُسْلِمِ هُنَا الْكَامِلُ فِي الْإِيمَانِ الْمُؤَدِّي حُقُوقَهُ بِحَسَبِ اسْتِطَاعَتِهِ، فَالنِّسْبَةُ إِلَى الْكُفْرِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى نُقْصَانِ إِيمَانِهِ تَغْلِيظًا اهـ. وَهُوَ مِنْهُ وَهَمٌ حَيْثُ ظَنَّ أَنَّ الْإِضَافَةَ مِنْ بَابِ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى فَاعِلِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ؛ لِأَنَّ سَبَّ الْمُسْلِمِ وَقِتَالَهُ فِسْقٌ وَكُفْرَانٌ سَوَاءٌ يَكُونُ كَامِلَ الْإِسْلَامِ أَمْ لَا. هَذَا وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْمُرْجِئَةِ الَّذِينَ لَا يَرَوْنَ الطَّاعَةَ مِنَ الْإِيمَانِ وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْإِيمَانَ لَا يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ وَلَا يَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَةِ، فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشَارَ بِقَوْلِهِ: قِتَالُهُ كُفْرٌ إِلَى أَنَّ تَرْكَ الْقِتَالِ مِنَ الْإِيمَانِ، وَأَنَّ فِعْلَهُ يَنْقُصُ الْإِيمَانَ.
قُلْتُ: قَدْ سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ مَا هُوَ فَصْلُ الْخِطَابِ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ أَنَّ الْقَوْلَ الصَّوَابَ، هُوَ أَنَّ الْأَعْمَالَ لَيْسَتْ مِنْ أَصْلِ الْإِيمَانِ، بَلْ مِنْ كَمَالِهِ، وَأَنَّ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ وَهُوَ التَّصْدِيقُ غَيْرُ قَابِلٍ لِلزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، نَعَمْ قَدْ يَحْصُلُ لَهُ قُوَّةٌ بِحَسَبِ مَعْرِفَةِ الدَّلِيلِ وَضَعْفِ فَقْدِهِ، وَقَدْ يُثْمِرُ ثَمَرَتَهُ مِنْ ظُهُورِ الطَّاعَاتِ، وَقَدْ لَا يُثْمِرُ فَيَقَعُ صَاحِبُهُ فِي السَّيِّئَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالْحَالَاتِ وَالْمَقَامَاتِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَنْ سَعْدٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْأَفْرَادِ عَنْ جَابِرٍ، وَزَادَ الطَّبَرَانِيُّ فِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: وَحُرْمَةُ مَالِهِ كَحُرْمَةِ دَمِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute