الْآخَرَ، أَوْ قَالَ شَيْئًا مِنْ مَعَايِبِهِ الْمَوْجُودَةِ فِيهِ، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ جُمْلَةُ (مَا قَالَا) أَيْ إِثْمُ قَوْلِهِمَا (فَعَلَى الْبَادِئِ) أَيْ: عَلَى الْمُبْتَدِئِ فَقَطْ وَالْفَاءُ إِمَّا لِكَوْنِ مَا شَرْطِيَّةً، أَوْ لِأَنَّهَا مَوْصُولَةٌ مُتَضَمِّنَةٌ لِلشَّرْطِ ثُمَّ " الْبَادِئِ " بِالْهَمْزِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْإِثْمُ كُلُّهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ سَبَبًا لِتِلْكَ الْمُخَاصَمَةِ، وَقِيلَ: إِثْمُ مَا قَالَا لِلْبَادِئِ أَكْثَرُ مِمَّا يَحْصُلُ لِلْمَظْلُومِ. (مَا لَمْ يَعْتَدِ الْمَظْلُومُ) . فَإِنْ جَاوَزَ الْحَدَّ بِأَنْ أَكْثَرَ الْمَظْلُومُ شَتْمَ الْبَادِئِ وَإِيذَاءَهُ صَارَ إِثْمُ الْمَظْلُومِ أَكْثَرَ مِنْ إِثْمِ الْبَادِئِ، وَقِيلَ: إِذَا تَجَاوَزَ فَلَا يَكُونُ الْإِثْمُ عَلَى الْبَادِئِ فَقَطْ، بَلْ يَكُونُ الْآخَرُ آثِمًا أَيْضًا بِاعْتِدَائِهِ، وَحَاصِلُ الْخِلَافِ يَرْجِعُ إِلَى خِلَافِ الِاعْتِدَاءِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ " مَا " شَرْطِيَّةً، وَقَوْلُهُ: " فَعَلَى الْبَادِئِ " جَزَاؤُهُ، أَوْ مَوْصُولَةً " فَعَلَى الْبَادِئِ " خَبَرُهُ، وَالْجُمْلَةُ مُسَبَّبَةٌ، وَمَعْنَاهُ إِثْمُ مَا قَالَاهُ عَلَى الْبَادِئِ إِذَا لَمْ يَعْتَدِ الْمَظْلُومُ، فَإِذَا تَعَدَّى يَكُونُ عَلَيْهِمَا، نَعَمْ إِلَّا إِذَا تَجَاوَزَ غَايَةَ الْحَدِّ فَيَكُونُ إِثْمُ الْقَوْلَيْنِ عَلَيْهِ اهـ، وَفِيهِ بَحْثٌ ظَاهِرٌ، وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: «مِنْ أَرْبَى الرِّبَا؟ مَنْ يَسُبُّ سَبَّتَيْنِ بِسَبَّةٍ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) . وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِلَفْظِ: " «الْمُسْتَبَّانِ مَا قَالَا، فَعَلَى الْبَادِئِ مِنْهُمَا حَتَّى يَعْتَدِيَ الْمَظْلُومُ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ أَنَسٍ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ فِي الْأَدَبِ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ: " «الْمُسْتَبَّانِ شَيْطَانَانِ يَتَهَاتَرَانِ وَيَتَكَاذَبَانِ» ) وَالتَّهَاتُرُ التَّعَالُجُ فِي الْقَوْلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute