للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٤٨٧٧ - وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنَّ مِنْ كَفَّارَةِ الْغِيبَةِ أَنْ تَسْتَغْفِرَ لِمَنِ اغْتَبْتَهُ، تَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلَهُ» ". رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي " الدَّعَوَاتِ الْكَبِيرِ ". وَقَالَ: فِي هَذَا الْإِسْنَادِ ضَعْفٌ.

ــ

٤٨٧٧ - (وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ مِنْ كَفَّارَةِ الْغِيبَةِ) أَيْ: بَعْدَ تَحَقُّقِ التَّوْبَةِ (أَنْ تَسْتَغْفِرَ) أَيْ: أَنْتَ أَيُّهَا الْمُخَاطَبُ خِطَابًا عَامًّا (لِمَنِ اغْتَبْتَهُ، تَقُولُ) : بَدَلٌ أَوْ بَيَانٌ أَوْ حَالٌ (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا) أَيْ: إِذَا كَانُوا جَمَاعَةً، أَوْ لَنَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ عُمُومًا (وَلَهُ) أَيْ: لِمَنِ اغْتَبْتَهُ خُصُوصًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا إِذَا لَمْ تَصِلِ الْغَيْبَةُ إِلَيْهِ، وَأَمَّا إِذَا وَصَلَتْ إِلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنَ الِاسْتِحْلَالِ بِأَنْ يُخْبِرَ صَاحِبَهَا بِمَا قَالَ فِيهِ وَيَتَحَلَّلَهَا مِنْهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَلْيَعْزِمْ عَلَى أَنَّهُ مَتَى وَجَدَهُ تَحَلَّلَ مِنْهُ، فَإِذَا حَلَّلَهُ سَقَطَ عَنْهُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ لَهُ مِنَ الْحَقِّ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بِأَنْ كَانَ صَاحِبُ الْغِيبَةِ مَيِّتًا أَوْ غَائِبًا، فَلْيَسْتَغْفِرِ اللَّهَ تَعَالَى، وَالْمَرْجُوُّ مِنْ فَضْلِهِ وَكَرَمِهِ أَنْ يُرْضِيَ خَصْمَهُ مِنْ إِحْسَانِهِ، فَإِنَّهُ جَوَّادٌ كَرِيمٌ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ.

وَفِي رَوْضَةِ الْعُلَمَاءِ: سَأَلْتُ مُحَمَّدًا فَقُلْتُ لَهُ: إِذَا تَابَ صَاحِبُ الْغِيبَةِ قَبْلَ وُصُولِهَا إِلَى الْمُغْتَابِ عَنْهُ هَلْ تَنْفَعُهُ تَوْبَتُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ تَنْفَعُهُ تَوْبَتُهُ، فَإِنَّهُ تَابَ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ الذَّنْبُ ذَنْبًا، يَعْنِي ذَنْبًا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ. قَالَ: لِأَنَّهَا تَصِيرُ ذَنْبًا إِذَا بَلَغَتْ إِلَيْهِ. قُلْتُ: فَإِنْ بَلَغَتْ إِلَيْهِ بَعْدَ تَوْبَتِهِ؟ قَالَ: لَا تَبْطُلُ تَوْبَتُهُ، بَلْ يَغْفِرُ اللَّهُ لَهُمَا جَمِيعًا الْمُغْتَابِ بِالتَّوْبَةِ وَالْمُغْتَابِ عَنْهُ بِمَا لَحِقَهُ مِنَ الْمَشَقَّةِ. قُلْتُ: أَوْ بِمَا حَصَلَ لَهُ مِنَ الْمَغْفِرَةِ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ كَرِيمٌ وَلَا يَحْمِلُ كَرَمُهُ رَدَّ تَوْبَتِهِ بَعْدَ قَبُولِهَا، بَلْ يَعْفُو عَنْهُمَا جَمِيعًا. قُلْتُ: فِيهِ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ تَوْبَتِهِ مَوْقُوفًا عَلَى عَدَمِ تَحَقُّقِ وُصُولِهَا إِلَيْهِ وَحُصُولِ مَشَقَّتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: قَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي تَوْبَةِ الْمُغْتَابِينَ: هَلْ تَجُوزُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَحِلَّ مِنْ صَاحِبِهِ؟ قَالَ بَعْضُهُمْ: تَجُوزُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَجُوزُ، وَهُوَ عِنْدَنَا عَلَى وَجْهَيْنِ، أَحَدِهِمَا: إِنْ كَانَ ذَلِكَ الْقَوْلُ قَدْ بَلَغَ إِلَى الَّذِي اغْتَابَهُ، فَتَوْبَتُهُ أَنْ يَسْتَحِلَّ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ فَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيُضْمِرُ أَنْ لَا يَعُودَ لِمِثْلِهِ. اهـ. وَهَلْ يَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ: اغْتَبْتُكَ فَاجْعَلْنِي فِي حِلٍّ أَمْ لَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ مَا اغْتَابَ؟ قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا فِي الْغِيبَةِ: لَا يُعْلِمُهُ بِهَا، بَلْ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لَهُ إِنْ عَلِمَ أَنَّ كَلَامَهُ يُثِيرُ فِتْنَةً، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا هُوَ الْمُقَرَّرُ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنِ الْحُقُوقِ الْمَجْهُولَةِ جَائِزٌ عِنْدَنَا، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِصَاحِبِ الْغِيبَةِ أَنْ يُبَرِّئَهُ مِنْهَا لِيُخَلِّصَ أَخَاهُ مِنَ الْمَعْصِيَةِ، وَيَفُوزَ هُوَ بِعَظِيمِ ثَوَابِ اللَّهِ فِي الْعَفْوِ، وَفِي الْقِنْيَةِ: تَصَافُحُ الْخَصْمَيْنِ لِأَجْلِ الْعُذْرِ اسْتِحْلَالٌ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: رَأَيْتُ فِي فَتَاوَى الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ يَكْفِي النَّدَمُ وَالِاسْتِغْفَارُ فِي الْغِيبَةِ وَإِنْ بَلَغَتْ، فَالطَّرِيقُ أَنْ يَأْتِيَ الْمُغْتَابَ وَيَسْتَحِلَّ مِنْهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ لِمَوْتِهِ أَوْ لِغَيْبَتِهِ الْبَعِيدَةِ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى، وَلَا اعْتِبَارَ بِتَحْلِيلِ الْوَرَثَةِ، وَإِذَا اغْتَابَ أَحَدًا فَهَلْ يَكْفِي أَنْ يَقُولَ: قَدِ اغْتَبْتُكَ فَاجْعَلْنِي فِي حِلٍّ، أَمْ لَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ مَا اغْتَابَهُ بِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ; أَحَدُهُمَا: يُشْتَرَطُ، فَإِنْ أَبْرَأَهُ مِنْ غَيْرِ بَيَانِهِ لَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ مَالٍ مَجْهُولٍ، وَثَانِيهِمَا: لَا يُشْتَرَطُ ; لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يُتَسَامَحُ فِيهِ بِخِلَافِ الْمَالِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ ; لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَسْمَحُ بِالْعَفْوِ عَنْ غِيبَةٍ دُونَ غِيبَةٍ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: سَبِيلُ الْمُعْتَذِرِ أَنْ يُبَالِغَ فِي الثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالْمَوَدَّةِ إِلَيْهِ، وَيُلَازِمَ ذَلِكَ حَتَّى يَطِيبَ قَلْبُهُ، فَإِنْ لَمْ يَطِبْ قَلْبُهُ كَانَ اعْتِذَارُهُ وَتَرَدُّدُهُ حَسَنَةً مَحْسُوبَةً لَهُ، فَتُقَابَلُ بِهَا سَيِّئَةُ الْغِيبَةِ فِي الْقِيَامَةِ. (رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّعَوَاتِ الْكَبِيرِ) اسْمُ كِتَابٍ لَهُ (وَقَالَ: فِي هَذَا الْإِسْنَادِ ضَعْفٌ) . قُلْتُ: وَمَا يَضُرُّ، فَإِنَّ فَضَائِلَ الْأَعْمَالِ يَكْفِيهَا الْحَدِيثُ الضَّعِيفُ لِلْعَمَلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ رَأَيْتُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مَا يُعَضِّدُهُ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي الصَّمْتِ، عَنْ أَنَسٍ أَيْضًا وَلَفْظُهُ: " «كَفَّارَةُ مَنِ اغْتَبْتَ أَنْ تَسْتَغْفِرَ لَهُ» ".

<<  <  ج: ص:  >  >>