للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: فِيهِ فَوَائِدُ، مِنْهَا: أَنَّ صَيْدَ الْمَدِينَةِ مُبَاحٌ بِخِلَافِ صَيْدِ مَكَّةَ. قُلْتُ: لَوْ ثَبَتَ هَذَا لَارْتَفَعَ الْخِلَافُ فِي أَنَّ الْمَدِينَةَ لَهَا حَرَمٌ أَمْ لَا. لَكِنْ لِلشَّافِعِيَّةِ أَنْ يَقُولُوا لَيْسَ نَصٌّ فِي الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْمَدِينَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ صِيدَ مِنْ خَارِجِهَا وَأُدْخِلَ فِيهَا. وَحِينَئِذٍ لَا يَضُرُّ، فَإِنَّ الصَّيْدَ لَوْ أُخِذَ خَارِجَ مَكَّةَ، ثُمَّ أُدْخِلَ فِي الْحَرَمِ وَذُبِحَ كَانَ حَلَالًا

عِنْدَهُمْ، فَكَذَا هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: وَإِنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُعْطَى الصَّبِيُّ الطَّيْرَ لِيَلْعَبَ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعَذِّبَهُ. قُلْتُ: هَذَا فَرْعٌ آخَرُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ، إِذْ لَوْ ثَبَتَ حَرَمِيَّةُ الْمَدِينَةِ لَوَجَبَ إِرْسَالُ الصَّيْدِ إِنْ أُخِذَ مِنْهَا، وَكَذَا عِنْدَنَا بَعْدَ دُخُولِهِ فِي حَرَمِ مَكَّةَ. قَالَ: وَإِبَاحَةُ تَصْغِيرِ الْأَسْمَاءِ؟ قُلْتُ: لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى اللُّطْفِ وَالشَّفَقَةِ، لَا سِيَّمَا وَفِيهِ مُرَاعَاةُ السَّجْعِ، وَهُوَ مُبَاحُ الْكَلَامِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَقْرُونًا بِالتَّكَلُّفِ. قَالَ: وَإِبَاحَةُ الدُّعَابَةِ مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا؟ قُلْتُ: بَلِ اسْتِحْبَابُهُ إِذَا كَانَ تَطْيِيبًا وَمُطَايَبَةً. قَالَ: وَجَوَازُ تَكَنِّي الصَّبِيِّ وَلَا يَدْخُلُ ذَلِكَ فِي بَابِ الْكَذِبِ. قُلْتُ: لِأَنَّهُ قُصِدَ بِهِ التَّفَاؤُلُ. قَالَ: وَقَدْ نُقِلَ عَنِ الشَّيْخِ نَجْمِ الدِّينِ الْكَبِيرِ غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْفَوَائِدِ، وَهِيَ أَنْ يَجُوزَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَدْخُلَ فِي بَيْتٍ فِيهِ امْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ إِذَا أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ الْفِتْنَةَ. قُلْتُ: فِيهِ بَحْثٌ ; لِأَنَّهُ إِنْ أَرَادَ جَوَازَ الْخَلْوَةِ مَعَ الْأَجْنَبِيَّةِ، فَهُوَ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ أَرَادَ الدُّخُولَ عَلَيْهَا مَعَ وُجُودِ غَيْرِهَا، فَهُوَ أَمْرٌ ظَاهِرٌ لَا شُبْهَةَ فِي جَوَازِهِ، حَتَّى مَعَ عَدَمِ الْأَمْنِ مِنَ الْفِتْنَةِ أَيْضًا، كَمَا فِي مَسْأَلَةِ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ وَنَحْوِهَا. وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى الْخَلْوَةِ، مَعَ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ لَكَانَ جَوَازُهُ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَعَ كَوْنِهِ مَعْصُومًا مَعَ أَنَّهُ أَبٌ لِلْأُمَّةٍ وَلَيْسَ لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ وَلِيًّا، فَإِنَّ الْحِفْظَ مَرْتَبَةٌ دُونَ الْعِصْمَةِ، وَلِذَا لَمَّا سُئِلَ الْجُنَيْدُ: أَيَزْنِي الْعَارِفُ؟ فَأَطْرَقَ رَأْسَهُ مَلِيًّا، ثُمَّ قَالَ: وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا. وَإِنَّمَا أَطَلْتُ هَذَا الْمَبْحَثَ لِئَلَّا يَتَعَلَّقَ بِهِ بَعْضُ الزَّنَادِقَةِ وَالْمَلَاحِدَةِ وَالْمُبَاحِيَّةِ، مَعَ أَنَّا لَا نَشُكُّ فِي جَلَالَةِ الشَّيْخِ قُدِّسَ سِرُّهُ ; حَيْثُ أَثَّرَ نَظَرُهُ فِي الْكَلْبِ. قَالَ: وَأَنْ يَجُوزَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَسْأَلَ عَمَّا هُوَ عَالِمٌ بِهِ تَعْجُّبًا مِنْهُ. قُلْتُ: هَذَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَقَدُّمِ عِلْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَوْتِ النُّغَيْرِ، لِاحْتِمَالِ صُدُورِ هَذَا الْقَوْلِ بِمُجَرَّدِ فَقْدِهِ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ حُصُولِ مَوْتِهِ. قَالَ: وَفِيهِ كَمَالُ خُلُقِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ رِعَايَةَ الضُّعَفَاءِ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ اسْتِمَالَةُ قُلُوبِ الصِّغَارِ، وَإِدْخَالُ السُّرُورِ فِي قُلُوبِهِمْ. قُلْتُ كَيْفَ لَا، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي وَصْفِهِ الْكَرِيمِ فِي كَلَامِهِ الْقَدِيمِ: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: ٤] . . . (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>