للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٤٨٩٢ - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «لَا تُمَارِ أَخَاكَ وَلَا تُمَازِحْهُ وَلَا تَعِدْهُ مَوْعِدًا فَتُخْلِفَهُ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.

ــ

٤٨٩٢ - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: لَا تُمَارِ) : بِضَمِّ أَوَّلِهِ، مِنَ الْمُمَارَاةِ أَيْ: لَا تُجَادِلْ وَلَا تُخَاصِمْ (أَخَاكَ) أَيِ: الْمُسْلِمَ (وَلَا تُمَازِحْهُ) أَيْ: بِمَا يَتَأَذَّى مِنْهُ (وَلَا تَعِدْهُ مَوْعِدًا) أَيْ: وَعْدًا أَوْ زَمَانَ وَعْدٍ أَوْ مَكَانَهُ (فَتُخْلِفَهُ) : مِنَ الْإِخْلَافِ وَهُوَ مَنْصُوبٌ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالرَّفْعِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: إِنْ رُوِيَ مَنْصُوبًا كَانَ جَوَابًا لِلنَّهْيِ عَلَى تَقْدِيرِ: فَيَكُونُ مُسَبَّبًا عَمَّا قَبْلَهُ، فَعَلَى هَذَا التَّنْكِيرِ فِي مَوْعِدِ النَّوْعِ مِنَ الْمَوْعِدِ، وَهُوَ مَا يَرْضَاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنْ يَعْزِمَ عَلَيْهِ قَطْعًا، وَلَا يُسْتَثْنَى فَيَجْعَلُ اللَّهُ ذَلِكَ سَبَبًا لِلْإِخْلَافِ، أَوْ يَنْوِي فِي الْوَعْدِ كَالْمُنَافِقِ، فَإِنَّ آيَةَ النِّفَاقِ الْخُلْفُ فِي الْوَعْدِ، كَمَا وَرَدَ: إِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ عَنْ مُطْلَقِ الْوَعْدِ ; لِأَنَّهُ كَثِيرًا مَا يُفْضِي إِلَى الْخُلْفِ، وَلَوْ رُوِيَ مَرْفُوعًا كَانَ الْمَنْهِيُّ الْوَعْدَ الْمُسْتَعْقِبَ لِلْإِخْلَافِ، أَيْ: لَا تَعِدْهُ مَوْعِدًا فَأَنْتَ تُخْلِفُهُ، عَلَى أَنَّهُ جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ مَعْطُوفَةٌ عَلَى إِنْشَائِيَّةٍ، وَعَلَى هَذَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ مَسَائِلُ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ وَعَدَ إِنْسَانًا شَيْئًا لَيْسَ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَفِيَ بِوَعْدِهِ، وَهَلْ ذَلِكَ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ؟ فِيهِ خِلَافٌ ; ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ، فَلَوْ تَرَكَهُ فَاتَهُ الْفَضْلُ وَارْتَكَبَ الْمَكْرُوهَ كَرَاهَةً شَدِيدَةً، وَلَا يَأْثَمُ يَعْنِي مِنْ حَيْثُ هُوَ خَلَفَ، وَإِنْ كَانَ يَأْثَمُ إِنْ قَصَدَ بِهِ الْأَذَى قَالَ: وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ ; مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَبَعْضُهُمْ إِلَى التَّفْضِيلِ. وَيُؤَيِّدُ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ مَا أَوْرَدَهُ فِي الْإِحْيَاءِ ; حَيْثُ قَالَ: وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أَوْعَدَ وَعْدًا قَالَ: عَسَى، وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ لَا يَعِدُ وَعْدًا إِلَّا وَيَقُولُ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهُوَ الْأَوْلَى. ثُمَّ إِذَا فُهِمَ مَعَ ذَلِكَ الْجَزْمُ فِي الْوَعْدِ، فَلَا بُدَّ مِنَ الْوَفَاءِ إِلَّا أَنْ يَتَعَذَّرَ، فَإِنْ كَانَ عِنْدَ الْوَعْدِ عَازِمًا عَلَى أَنْ لَا يَفِيَ بِهِ فَهَذَا هُوَ النِّفَاقُ. اهـ. وَهَذَا كُلُّهُ يُؤَيِّدُ الْوُجُوبَ إِذَا كَانَ الْوَعْدُ مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِعَسَى أَوْ بِالْمَشِيئَةِ وَنَحْوِهِمَا، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ جَازِمٌ فِي وَعْدِهِ، فَقَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَوْلَى مَحَلُّ بَحْثٍ كَمَا لَا يَخْفَى. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) . وَقَدْ سَبَقَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ.

وَهَذَا الْبَابُ خَالٍ مِنَ الْفَصْلِ الثَّالِثِ

<<  <  ج: ص:  >  >>