طَهُورٍ» " فَتَبَيَّنَ مَوْضِعُ السِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، وَالشَّافِعِيَّةُ يَجْمَعُونَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِالسِّوَاكِ فِي ابْتِدَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ ذِكْرَ الْوُضُوءِ وَالطَّهُورِ بَيَانٌ لِلْمَوَاضِعِ الَّتِي يَتَأَكَّدُ اسْتِعْمَالُ السِّوَاكِ فِيهَا، أَمَّا أَصْلُ اسْتِحْبَابِهِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِوَقْتٍ وَلَا سَبَبٍ، بِاعْتِبَارِ بَعْضِ الْأَسْبَابِ يَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُهُ كَتَغَيُّرِ الْفَمِ بِالْأَكْلِ أَوْ بِسُكُوتٍ طَوِيلٍ وَنَحْوِهِمَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَجْعَلْهُ عُلَمَاؤُنَا مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ نَفْسِهَا لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ جِرَاحَةِ اللِّثَةِ وَخُرُوجِ الدَّمِ وَهُوَ نَاقِضٌ عِنْدَنَا، فَرُبَّمَا يُفْضِي إِلَى جُرْحٍ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يُرْوَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اسْتَاكَ عِنْدَ قِيَامِهِ إِلَى الصَّلَاةِ فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» " عَلَى كُلِّ وُضُوءٍ " بِدَلِيلِ رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ: «لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءِ» ، " أَوِ التَّقْدِيرُ: لَوْلَا وُجُودُ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ لَأَمَرْتُهُمْ بِهِ، لَكِنِّي لَمْ آمُرْ بِهِ لِأَجْلِ وُجُودِهَا كَمَا قِيلَ مِثْلُ هَذَا فِي الْقَرِينَةِ السَّابِقَةِ فَيَكُونُ الْقَرِينَتَانِ عَلَى طَبَقٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ إِنَّهُ عُرِفَ سُنِّيَّةُ السِّوَاكِ لِلْوُضُوءِ وَاسْتِحْبَابُ تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ بِأَدِلَّةٍ أُخْرَى، وَهَذَا الْوَجْهُ بِالْقَبُولِ أَحْرَى، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا مِنَ الصُّوفِيَّةِ فِي نَصَائِحِهِ الْعِبَادِيَّةِ: وَمِنْهَا مُدَاوَمَةُ السِّوَاكِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ الصَّلَاةِ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ أَوْ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» " رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَرَوَى أَحْمَدُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: " «صَلَاةٌ بِسِوَاكٍ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ صَلَاةً بِغَيْرِ سِوَاكٍ» " وَالْبَاءُ لِلْإِلْصَاقِ أَوِ الْمُصَاحَبَةِ، وَحَقِيقَتُهُمَا فِيمَا اتَّصَلَ حِسًّا أَوْ عُرْفًا، وَكَذَا حَقِيقَةُ كَلِمَةِ مَعَ وَعِنْدَ، وَالنُّصُوصُ مَحْمُولَةٌ عَلَى ظَوَاهِرِهَا إِذْ أَمْكَنَ، وَقَدْ أَمْكَنَ هَهُنَا فَلَا مَسَاغَ إِذًا عَلَى الْحَمْلِ عَلَى الْمَجَازِ، أَوْ تَقْدِيرِ مُضَافٍ، كَيْفَ وَقَدْ ذُكِرَ السِّوَاكُ عِنْدَ نَفْسِ الصَّلَاةِ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْفُرُوعِ الْمُعْتَبَرَةِ. قَالَ فِي التَّتَارَخَانِيَّةِ نَقْلًا عَنِ التَّتِمَّةِ: وَيُسْتَحَبُّ السِّوَاكُ عِنْدَنَا عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَوُضُوءٍ، وَكُلِّ شَيْءٍ يُغَيِّرُ الْفَمَ، وَعِنْدَ الْيَقَظَةِ اهـ.
وَقَالَ الْفَاضِلُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهَمَّامِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: وَيُسْتَحَبُّ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ: اصْفِرَارِ السِّنِّ، وَتَغَيُّرِ الرَّائِحَةِ، وَالْقِيَامِ مِنَ النَّوْمِ، وَالْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ، وَعِنْدَ الْوُضُوءِ اهـ. فَظَهَرَ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ مِنْ تَصْرِيحِ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ الصَّلَاةِ مُعَلًّا بِأَنَّهُ قَدْ يُخْرِجُ الدَّمَ فَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ لَيْسَ لَهُ وَجْهٌ، نَعَمْ مَنْ يَخَافُ ذَلِكَ فَلْيَسْتَعْمِلْ بِالرِّفْقِ عَلَى نَفْسِ الْأَسْنَانِ وَاللِّسَانِ دُونَ اللِّثَةِ، وَذَلِكَ لَا يَخْفَى. قَالَ الْقَاضِي: لَوْلَا تَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الشَّيْءِ لِثُبُوتِ غَيْرِهِ، وَالْحَقِيقَةُ أَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ لَوْ وَلَا، وَلَوْ تَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الشَّيْءِ لِانْتِفَاءِ غَيْرِهِ، فَتَدُلُّ هُنَا مَثَلًا عَلَى انْتِفَاءِ الْأَمْرِ لِانْتِفَاءِ نَفْيِ الْمَشَقَّةِ وَانْتِفَاءِ النَّفْيِ بِثُبُوتِ النَّفْيِ، فَيَكُونُ الْأَمْرُ مُنْتَفِيًا لِثُبُوتِ الْمَشَقَّةِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَنْدُوبَ لَيْسَ بِمَأْمُورٍ لِانْتِفَاءِ الْأَمْرِ مَعَ ثُبُوتِ النَّدْبِيَّةِ، وَأَيْضًا جُعِلَ الْأَمْرُ ثَقِيلًا وَشَاقًّا عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْوُجُوبِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute