٤٩٢٤ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ. فَقَالَ: " لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
٤٩٢٤ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي قَرَابَةً» ) أَيْ: ذَوِي قَرَابَةٍ ( «أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِّي» ) : بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَيُخَفَّفُ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِالْوَصْلِ الْمَأْتِيَّ إِلَيْهِمْ وَبِالْقَطْعِ ضِدَّهُ، إِذْ قَالَ: (وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ) أَيْ: بِالْبِرِّ وَالْوَفَاءِ (وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ) ، أَيْ: بِالْجَوْرِ وَالْجَفَاءِ (وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ) أَيْ: بِالْعَفْوِ وَالتَّحَمُّلِ (وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ) أَيْ: بِالسَّبِّ وَالْغَضَبِ، وَكَانَ لَفْظَةُ (عَلَيَّ) سَاقِطَةً فِي أَصْلِ الطِّيبِيِّ، فَقَالَ: قَوْلُهُ: (وَيَجْهَلُونَ) مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ: عَلَيَّ يَعْنِي يَغْضَبُونَ، ثُمَّ هَذَا كَمَا قَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:
وَإِنَّ الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَ بَنِي أَبِي ... وَبَيْنَ بَنِي عَمِّي لِمُخْتَلِفٌ جِدًّا
إِذَا أَكَلُوا لَحْمِي وَفَّرْتُ لُحُومَهُمْ ... وَإِنْ هَدَمُوا مَجْدِي بَنَيْتُ لَهُمْ مَجْدًا
وَإِنْ ضَيَّعُوا غَيْبِي حَفِظْتُ غُيُوبَهُمْ ... وَإِنْ هُمْ هَوُوا غَيِّي هَوِيتُ لَهُمْ رُشْدَا
(فَقَالَ) أَيِ: النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ) أَيْ: إِنْ كَانَ مَقُولُكَ كَمَا قُلْتَ، أَوْ إِنْ كُنْتَ مِثْلَ مَا قُلْتَ مِنَ الْأَوْصَافِ الْجَمِيلَةِ وَالْأَخْلَاقِ الْجَزِيلَةِ (فَكَأَنَّمَا) : بِالْفَاءِ تُسِفُّهُمْ) : بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَتَشْدِيدِ فَاءٍ مِنْ بَابِ الْأَفْعَالِ مَأْخُوذٌ مِنَ السَّفُوفِ وَبِالْفَتْحِ، يُقَالُ: سَفِفْتُهُ بِالْكَسْرِ أَسُفُّهُ وَأَسْفَفْتُهُ غَيْرِي أَيْ: تُلْقِي فِي وُجُوهِهِمُ (الْمَلَّ) ، بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيِ: الرَّمَادُ الْحَارُّ الَّذِي يُدْفَنُ فِيهِ الْخُبْزُ لِيَنْضَجَ، أَيْ: تَجْعَلُ الْمِلَّةَ لَهُمْ سَفُوفًا يَسُفُّونَهُ، وَالْمَعْنَى إِذَا لَمْ يَشْكُرُوا، فَإِنَّ عَطَاءَكَ إِيَّاهُمْ حَرَامٌ عَلَيْهِمْ وَنَارٌ فِي بُطُونِهِمْ، وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: أَيْ إِحْسَانُكَ إِلَيْهِمْ إِذَا كَانُوا يُقَابِلُونَهُ بِالْإِسَاءَةِ يَعُودُ وَبَالًا عَلَيْهِمْ، حَتَّى كَأَنَّكَ فِي إِحْسَانِكَ إِلَيْهِمْ مَعَ إِسَاءَتِهِمْ إِيَّاكَ أَطْعَمْتَهُمُ النَّارَ. اهـ. وَقِيلَ: إِنَّكَ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ تُخْزِيهِمْ وَتُحَقِّرُهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ، فَصَارُوا كَمَنْ سَفَّ الْمَلَّ، وَقِيلَ: إِحْسَانُكَ إِلَيْهِمْ كَالْمَلِّ يَحْرِقُ أَحْشَاءَهُمْ، وَقِيلَ: يَجْعَلُ وُجُوهَهُمْ كَلَوْنِ الرَّمَادِ، هَذَا وَقَالَ الطِّيبِيُّ: قَوْلُهُ: (فَكَأَنَّمَا) فِي الْمَصَابِيحِ وَمُسْلِمٍ وَكِتَابِ الْحُمَيْدِيِّ وَجَامِعِ الْأُصُولِ بِالْفَاءِ، وَالظَّاهِرُ بِاللَّامِ ; لِأَنَّ اللَّامَ فِي قَوْلِهِ: لَئِنْ كُنْتَ مُوطِّئَةٌ لِلْقَسَمِ، وَهَذِهِ جَوَابُهُ سَدَّ مَسَدَّ جَوَابِ الشَّرْطِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُعْكَسَ وَيُجْعَلَ جَزَاءَ الشَّرْطِ سَادًّا مَسَدَّ جَوَابِ الْقَسَمِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ لَكَأَنَّمَا ( «وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ» ) أَيْ: مِنْ عِنْدِهِ (ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ) أَيْ: مُعِينٌ لَكَ عَلَيْهِمْ وَدَافِعٌ عَنْكَ أَذَاهُمْ (مَادُمْتَ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ: مَا ذَكَرْتَ مِنْ إِحْسَانِكَ وَإِسَاءَتِهِمْ، فَالْجُمْلَةُ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: لَئِنْ كُنْتَ، وَإِنْ عُطِفَتْ عَلَى (فَكَأَنَّمَا) فَقَوْلُهُ: (مَادُمْتَ) وَاقِعٌ مَوْقِعَ التَّأْكِيدِ وَإِشْعَارٌ بِأَنَّ هَذَا هُوَ الْمَسْلَكُ السَّدِيدُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى النَّفْسِ لَشَدِيدًا (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute