مُقَدَّرَانِ أَيْضًا كَتَقْدِيرِ حَسَنِ الْأَعْمَالِ وَسَيِّئِهَا اللَّذَيْنِ مِنْ أَسْبَابِ السَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ، مَعَ أَنَّهُمَا مُقَدَّرَانِ أَيْضًا، أَوِ الْمُرَادُ بِرَدِّ الْقَدَرِ تَسْهِيلٌ لِلْأَمْرِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ حَتَّى يَصِيرَ كَأَنَّهُ قَدْ رُدَّ، وَالْمُرَادُ بِزِيَادَةِ الْعُمُرِ الْبَرَكَةُ فِيهِ، فَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ ذَكَرَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ دَوَامَ الْمَرْءِ عَلَى الدُّعَاءِ يُطَيِّبُ لَهُ وُرُودَ الْقَضَاءِ، فَكَأَنَّمَا رَدَّهُ وَالْبِرُّ يُطَيِّبُ لَهُ عَيْشَهُ، فَكَأَنَّمَا زِيدَ فِي عُمُرِهِ، وَالذَّنْبُ يُكَدِّرُ عَلَيْهِ صَفَاءَ رِزْقِهِ إِذَا فَكَّرَ فِي عَاقِبَةِ أَمْرِهِ فَكَأَنَّمَا حُرِمَهُ. (وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ) : بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ وَقَوْلُهُ: (الرِّزْقَ) : بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ، وَالْمَعْنَى: لِيَصِيرَ مَحْرُومًا مِنَ الرِّزْقِ (بِالذَّنْبِ) أَيْ: بِسَبَبِ ارْتِكَابِهِ (يُصِيبُهُ) أَيْ: حَالُ كَوْنِهِ يُصِيبُ الذَّنْبَ وَيَكْتَسِبُهُ. قَالَ الْمُظْهِرُ: لَهُ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرَادَ بِالرِّزْقِ ثَوَابُ الْآخِرَةِ، وَثَانِيهُمَا: أَنْ يُرَادَ بِهِ الرِّزْقُ الدُّنْيَوِيُّ مِنَ الْمَالِ وَالصِّحَّةُ وَالْعَافِيَةُ، وَعَلَى هَذَا إِشْكَالٌ فَإِنَّا نَرَى الْكُفَّارَ وَالْفُسَّاقَ أَكْثَرَ مَالًا وَصِحَّةً مِنَ الصُّلَحَاءِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الْحَدِيثَ مَخْصُوصٌ بِالْمُسْلِمِ يُرِيدُ اللَّهُ بِهِ أَنْ يَرْفَعَ دَرَجَتَهُ فِي الْآخِرَةِ، فَيُعَذِّبُهُ بِسَبَبِ ذَنْبِهِ الَّذِي يُصِيبُهُ فِي الدُّنْيَا. قُلْتُ: وَهَذَا أَيْضًا مِنَ الْقَضَاءِ الْمُعَلَّقِ ; لِأَنَّ الْآجَالَ وَالْآمَالَ وَالْأَخْلَاقَ وَالْأَرْزَاقَ كُلَّهَا بِتَقْدِيرِهِ وَتَيْسِيرِهِ. (رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ) : وَكَذَا ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ فِي صَحِيحَيْهِمَا، وَالْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ ذَكَرَهُ مِيرَكُ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: " «لَا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلَّا الْبِرُّ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ سَلْمَانَ، وَفِي الْحِصْنِ: " «لَا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلَّا الْبِرُّ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ. قَالَ مِيرَكُ: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ سَلْمَانَ، وَالْبَاقِيَانِ عَنْ ثَوْبَانَ، لَكِنَّ فِي رِوَايَتِهِمَا: لَا يَرُدُّ الْقَدَرَ، كَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ السِّلَاحِ عَنْهُمَا. وَفِي التَّرْغِيبِ لِلْمُنْذِرِيِّ عَنْ ثَوْبَانَ كَمَا فِي أَصْلِ الْمِشْكَاةِ، وَقَالَ: رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَاللَّفْظُ لَهُ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute