٤٩٤٩ - وَعَنْهَا، قَالَتْ: «جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ وَمَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا تَسْأَلُنِي، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ، فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا، فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا، وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَدَّثْتُهُ، فَقَالَ: " مَنِ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
٤٩٤٩ - (وَعَنْهَا) أَيْ: عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - (قَالَتْ: جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ وَمَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا تَسْأَلُنِي) ، أَيْ: عَطِيَّةً (فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ، فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا) ، أَيِ: التَّمْرَةَ وَلَمْ تَسْتَحْقِرْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: ٧] ، وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» " (فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا، وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا) ، أَيْ: مَعَ جُوعِهَا إِذْ يُسْتَبْعَدُ أَنْ تَكُونَ شَبْعَانَةً مَعَ جُوعِ ابْنَتَيْهَا (ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَدَّثْتُهُ) ، أَيْ: بِمَا جَرَى (فَقَالَ: مَنِ ابْتُلِيَ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيِ: امْتُحِنَ ; لِأَنَّ النَّاسَ يَكْرَهُونَهُنَّ غَالِبًا (مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ) ، مُتَعَلِّقٌ بِـ (ابْتُلِيَ) وَ (مِنْ) بَيَانِيَّةٌ مَعَ مَجْرُورِهَا حَالٌ مِنْ (شَيْءٍ) ، وَالْإِشَارَةُ إِلَى الْجِنْسِ. وَقَالَ شَارِحٌ لِلْمَصَابِيحِ قَوْلُهُ: مَنْ بَلِيَ مِنَ الْإِبْلَاءِ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ شَيْئًا، أَيْ: بِشَيْءٍ، وَفِي كِتَابِ مُسْلِمٍ: مَنِ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ وَهُوَ الصَّوَابُ، وَرَوَى لَفْظَ الْمَصَابِيحِ: يَلِيَ مِنَ الْوَلَايَةِ لِمَكَانٍ شَيْئًا وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ قَوْلُهُ: مَنِ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ، هَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الصَّوَابُ، وَالرِّوَايَةُ الَّتِي اخْتَارَهَا صَاحِبُ الْمَصَابِيحِ يَتَخَبَّطُ النَّاسُ فِيهَا ; لِمَكَانِ قَوْلِهِ شَيْئًا، وَرَوَى يَلِي بِالْيَاءِ مِنَ الْوِلَايَةِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَالصَّوَابُ فِيهِ مَنْ بَلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ. اهـ. وَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ إِمَّا ابْتُلِيَ كَمَا فِي الْمِشْكَاةِ، وَإِمَّا بَلِيَ كَمَا فِي الْمَصَابِيحِ، وَإِنَّ الصَّوَابَ فِيهِمَا بِشَيْءٍ، وَإِنَّ (شَيْئًا) بِالنَّصْبِ خَطَأٌ، وَكَذَا يَلِي مِنَ الْوِلَايَةِ، بَلْ هُوَ تَصْحِيفٌ وَتَحْرِيفٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: الرِّوَايَةُ فِي الْبُخَارِيِّ وَالْحُمَيْدِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ وَشَرْحِ السُّنَّةِ: مَنِ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ وَلَمْ نَقِفْ عَلَى مَا فِي الْمَصَابِيحِ، وَهُوَ: مَنْ يَلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ شَيْئًا فِي الْأُصُولِ. اهـ. (فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ) قِيلَ: بِتَزْوِيجِهِنَّ الْأَكْفَاءَ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَعُمَّ الْإِحْسَانُ (كُنَّ لَهُ) أَيْ: لِلْمُبْتَلَى (سِتَرًا) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَيْ: حِجَابًا دَافِعًا (مِنَ النَّارِ) أَيْ: دُخُولُهَا، وَلَعَلَّ وَجْهَ تَخْصِيصِهِنَّ أَنَّ احْتِيَاجَهُنَّ إِلَى الْإِحْسَانِ يَكُونُ أَكْثَرَ مِنَ الصِّبْيَانِ، فَمَنْ سَتَرَهُنَّ بِالْإِحْسَانِ عَنْ لُحُوقِ الْعَارِ يُجَازَى بِالسَّتْرِ عَنِ النَّارِ جَزَاءً وِفَاقًا، وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالِابْتِلَاءِ هَلْ هُوَ نَفْسُ وُجُودِهِنَّ، أَوِ الِابْتِلَاءُ بِمَا صَدَرَ مِنْهِنَّ، أَوِ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِنَّ؟ وَكَذَا اخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْإِحْسَانِ هَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى قَدْرِ الْوَاجِبِ، أَوْ مَا زَادَ عَلَيْهِ؟ وَالظَّاهِرُ الثَّانِي، ثُمَّ شَرْطُ الْإِحْسَانِ أَنْ يُوَافِقَ الشَّرْعَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الثَّوَابَ الْمَذْكُورَ إِنَّمَا يَحْصُلُ لِفَاعِلِهِ إِذَا اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ إِلَى أَنْ يَحْصُلَ اسْتِغْنَاؤُهُنَّ عَنْهُ بِزَوْجٍ أَوْ غَيْرِهِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ الْمِشْكَاةِ عَلَى مَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute