٤٩٦٥ - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الْآخَرِ، حَتَّى تَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ، مِنْ أَجْلِ أَنْ يَحْزُنَهُ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
٤٩٦٥ - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً) أَيْ: فِي الْمُصَاحَبَةِ سَفَرًا أَوْ حَضَرًا (فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ) أَيْ: لَا يَتَكَلَّمَا بِالسِّرِّ (دُونَ الْآخَرِ) أَيْ: مُجَازَيْنِ عَنْهُ غَيْرَ مُشَارِكَيْنِ لَهُ، لِئَلَّا يَتَوَهَّمَ أَنَّ نَجْوَاهُمَا لِشَرٍّ مُتَعَلِّقٍ بِهِ (حَتَّى تَخْتَلِطُوا) أَيْ: جَمِيعُكُمْ (بِالنَّاسِ) وَفِيهِ إِيذَانٌ بِأَنَّ النَّهْيَ مَحَلُّهُ أَنْ يَكُونُوا فِي مَوْضِعٍ لَا يَأْمَنُ الْوَاحِدُ فِيهِ عَلَى نَفْسِهِ (مِنْ أَجْلِ أَنْ يَحْزُنَهُ) : بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الزَّايِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَالِثِهِ، وَهُمَا لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ، وَالْأُولَى أَشْهَرُ وَعَلَيْهَا الْأَكْثَرُ، وَأَمَّا مَا ضُبِطَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالزَّايِ فَخَطَأٌ ; لِأَنَّهُ لَازِمٌ وَهُنَا الْفِعْلُ مُتَعَدٍّ وَضَمِيرُ الْفَاعِلِ لِلتَّنَاجِي وَضَمِيرُ الْمَفْعُولِ لِلْآخَرِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً لِلنَّهْيِ أَيْ: لَا تَنَاجَوْا لِئَلَّا يَحْزَنَ صَاحِبُكَ، وَأَنْ يَكُونَ عِلَّةً لِلْفِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ أَيْ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَصْدُرَ مِنْكُمْ تَنَاجٍ هُوَ سَبَبٌ لِلْحُزْنِ، فَعُلِمَ أَنَّ هُنَاكَ تَنَاجِيًا غَيْرَ مَنْهِيٍّ عَنْهُ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعَوَّلُ لِرِوَايَةِ: فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ.
قَالَ الْخَطَابِيُّ: وَإِنَّمَا يُحْزِنُهُ ذَلِكَ لِأَحَدِ مَعْنَيَيْنِ. أَحَدِهِمَا: أَنَّهُ رُبَّمَا يَتَوَهَّمُ أَنَّ نَجْوَاهُمَا لِتَبْيِيتِ رَأَيٍ فِيهِ أَوْ دَسِيسِ غَائِلَةٍ لَهُ، أَوِ الْأَحْزَانُ لِأَجْلِ الِاخْتِصَاصِ بِالْكَرَامَةِ وَهُوَ يُحْزِنُ صَاحِبَهُ. قُلْتُ: وَيَرُدُّ الْقَوْلَ الْآخَرَ قَوْلُهُ حَتَّى يَخْتَلِطُوا، وَقَدْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هَذَا فِي السَّفَرِ، وَفِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يَأْمَنُ الرَّجُلُ فِيهِ صَاحِبَهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَأَمَّا فِي الْحَضَرِ وَبَيْنَ ظَهْرَانَيِ الْعِمَارَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَقِيلَ قُيِّدَ بِالثَّلَاثَةِ ; لِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا أَرْبَعَةً فَتَنَاجَى اثْنَانِ فَلَا بَأْسَ. وَقَالَ شَارِحٌ: إِنْ تَنَاجَى اثْنَانِ إِذَا كَثُرَ النَّاسُ فَلَا بَأْسَ ; لِأَنَّهُ لَا يَظُنُّ الثَّالِثُ أَنَّهُمَا يَذْكُرَانِ مِنْهُ قَبِيحًا. قُلْتُ: وَلَوْ ظَنَّهُ أَيْضًا لَا يُبَالِي ; حَيْثُ إِنَّهُ مُخْتَلِطٌ بِالنَّاسِ. وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: قَدْ صَحَّ «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّا كُنَّا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَهُ يَوْمًا فَأَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ، فَلَمَّا رَآهَا رَحَّبَ، ثُمَّ سَارَّهَا» ، فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُسَارَّةَ فِي الْجَمْعِ حَيْثُ لَا رِيبَةَ جَائِزَةٌ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا النَّهْيُ عَنْ تَنَاجِي اثْنَيْنِ بِحَضْرَةِ ثَالِثٍ، وَكَذَا ثَلَاثَةٍ وَأَكْثَرَ بِحَضْرَةِ وَاحِدٍ هُوَ نَهْيُ تَحْرِيمٍ، فَيَحْرُمُ عَلَى الْجَمَاعَةِ الْمُنَاجَاةُ دُونَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ وَمَالِكٍ وَأَصْحَابِنَا وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ الْأَزْمَانِ حَضَرًا وَسَفَرًا. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِلَفْظِ: " «إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً فَلَا يَتَنَاجَى رَجُلَانِ دُونَ الْآخَرِ حَتَّى تَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَحْزُنُهُ» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute