للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٤٩٨٢ - وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَرُدُّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَرُدَّ عَنْهُ نَارَ جَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ". ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: ٤٧] . رَوَاهُ فِي " شَرْحِ السُّنَّةِ ".

ــ

٤٩٨٢ - (وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَرُدُّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ» ) أَيْ: يَمْنَعُ عَنْ غَيْبَةِ أَخِيهِ مَثَلًا (إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَرُدَّ) أَيْ: يَصْرِفُ (عَنْهُ) أَيْ: عَنِ الرَّادِّ (نَارَ جَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ تَلَا) أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتِشْهَادًا، أَوْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَرَأَ أَبُو الدَّرْدَاءِ اعْتِضَادًا {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: ٤٧] قَالَ الطِّيبِيُّ: قَوْلُهُ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا إِلَخْ اسْتِشْهَادٌ لِقَوْلِهِ: إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَرُدَّ عَنْهُ، وَالضَّمِيرُ فِي عَنْهُ رَاجِعٌ إِلَى الْمُسْلِمِ الذَّابِّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ أَتَى بِالْعَامِّ، فَيَدْخُلُ فِيهِ مِنْ سَبَقَ لَهُ الْكَلَامُ دُخُولًا أَوَّلِيًّا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: ٨٩] وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ لَوْ قِيلَ عَلَيْهِمْ لِمَوْقِعِ الْكِنَايَةِ اهـ. وَلَا خَفَاءَ أَنْ " مَا " فِي صَدْرِ الْحَدِيثِ نَافِيَةٌ وَ " مِنْ " مَزِيدَةٌ ; لِاسْتِغْرَاقِ النَّفْيِ، فَالْحُكْمُ عَامٌّ شَامِلٌ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هُنَاكَ مِنْ سَبَقَ لَهُ الْكَلَامُ لِيَدْخُلَ دُخُولًا أَوَّلِيًّا، وَأَمَّا الْآيَةُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ حِكْمَةَ الْعُدُولِ عَنْ عَلَيْهِمْ إِلَى عَلَى الْكَافِرِينَ ; لِيَخْرُجَ مَنْ سَيُؤْمِنُ مِنْهُمْ وَيَدْخُلُ فِيهِمْ غَيْرُهُمْ مِنْ سَائِرِ الْكُفَّارِ، مَعَ مَا فِيهِ مِنْ تَنْبِيهِ نَبِيِّهِ عَلَى أَنَّ لَعْنَ الْأَحْيَاءِ مِنَ الْكُفَّارِ غَيْرُ جَائِزٍ إِذَا كَانُوا قَوْمًا مَحْصُورِينَ ; لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْخَاتِمَةِ.

وَأَمَّا قَوْلُ الطِّيبِيُّ، وَفِيهِ أَنَّ مَفْهُومَ الْمُسْلِمِ وَالْمُؤْمِنِ وَاحِدٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات: ٣٥] فَفِيهِ أَنَّ الصَّوَابَ كَوَّنَ مَفْهُومُهُمَا لُغَةً وَشَرِيعَةً مُتَغَايِرَيْنِ عَلَى مَا يَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: ١٤] وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ جِبْرِيلَ كَمَا سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ مِنْ تَغَايُرِ تَعْرِيفِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ، نَعَمْ مَاصَدَقُهُمَا وَاحِدٌ فِي اعْتِبَارِ عُرْفِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ بِحَيْثُ يُطْلِقُ كُلُّ مَوْضِعٍ الْآخَرَ ; لِأَنَّ انْقِيَادَ الظَّاهِرِ بِدُونِ انْقِيَادِ الْبَاطِنِ غَيْرٌ صَحِيحٍ، وَكَذَا الْعَكْسُ. فَلَا بُدَّ مِنْ تُحَقُّقِهِمَا، ثُمَّ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِ عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ الْإِسْلَامِ عَدَمُ انْقِيَادِ الظَّاهِرِ لِلْفَرْقِ بَيْنَ تَرْكِهِ كَسَلًا وَإِعْرَاضًا، فَمَنْ تَرَكَ صَلَاةً مُتَعَمِّدًا أَوْ قَتَلَ نَفْسًا غَيْرُ مُعْتَقِدٍ وُجُوبَ الْأَوَّلِ وَحُرْمَةَ الْآخَرِ كَانَ كَافِرًا، وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْفَارِقُ بَيْنَ مَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَبَيْنَ مَشْرَبِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْخَوَارِجِ، وَسَائِرِ أَهْلِ الضَّلَالَةِ وَالْبِدْعَةِ. (رَوَاهُ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>