رَسُولَ اللَّهِ: " سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ» ". قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْحَدِيثِ: الْحَدِيثُ مُطْلَقٌ فِي الْمَكَانِ وَالذِّكْرِ، فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ ذَكَرَهُ مِيرَكُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمَسَاجِدَ وَالْأَذْكَارَ الْمَذْكُورَةَ ذَكَرَهَا عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، نَعَمِ الْمَسَاجِدُ خَيْرُ الْمَجَالِسِ، فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ خَصَّهَا لِكَوْنِهَا أَفْضَلَ وَالْأَذْكَارُ هُنَّ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ، وَهُنَّ مِنَ الْقُرْآنِ، وَلِذَا نَصَّ عَلَيْهَا، وَإِلَّا فَمَجَالِسُ الذِّكْرِ تَشْمَلُ مَجَالِسَ الْعُلَمَاءِ وَمَحَافِلَ الْوُعَّاظِ وَالْأَوْلِيَاءِ مِمَّنْ تَكُونُ مَجَالِسُهُمْ مَشْحُونَةً بِذِكْرِ اللَّهِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ مَعْرِفَةِ الْعَقَائِدِ الْحَقِّيَّةِ وَالشَّرَائِعِ الدِّينِيَّةِ مِنَ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَإِذَا خَلَوْتَ فَحَرِّكْ لِسَانَكَ مَا اسْتَطَعْتَ بِذِكْرِ اللَّهِ) : وَمُجْمَلُهُ أَنَّهُ لَا تَغْفُلُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ لَا فِي الْمَلَأِ وَلَا فِي الْخَلَاءِ، فَقَدْ رَوَى الْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا قَالَ: " «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ إِذَا ذَكَرْتَنِي خَالِيًا ذَكَرْتُكَ خَالِيًا، وَإِذَا ذَكَرْتَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُكَ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنَ الَّذِي ذَكَرْتَنِي فِيهِمْ» " وَفِي حَدِيثٍ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ: " «يَقُولُ اللَّهُ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُ» " فَقَوْلُهُ (فِي نَفْسِهِ) ظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الذِّكْرُ الْقَلْبِيُّ لِمُقَابَلَتِهِ بِالذِّكَرِ النَّفْسِيِّ، الَّذِي هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ، فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى بَيَانِ الْأَفْضَلِ مِنْ نَوْعَيِ الذِّكْرِ الْخَفِيِّ، وَقَوْلُهُ: فَحَرِّكْ لِسَانَكَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُبْتَدِئِ حَيْثُ احْتَاجَ إِلَى أَنَّهُ يَذْكُرُ اللَّهَ بِجَنَانِهِ بِاسْتِعَانَةِ لِسَانِهِ، كَمَا حَقَّقَ فِي بَحْثِ النِّيَّةِ، أَوْ إِشَارَةٍ إِلَى أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا أَكْمَلُ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَفْضَلَ لِمَا رَوَى أَبُو يَعْلَى عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لِفَضْلِ الذِّكْرِ الْخَفِيِّ الَّذِي لَا يَسْمَعُهُ الْحَفَظَةُ سَبْعُونَ ضِعْفًا إِذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجَمَعَ اللَّهُ الْخَلَائِقَ لِحِسَابِهِمْ وَجَاءَتِ الْحَفَظَةُ بِمَا حَفِظُوا وَكَتَبُوا قَالَ لَهُمْ: أَنْظِرُوا هَلْ بَقِيَ لَهُ مِنْ شَيْءٍ؟ فَيَقُولُونَ: مَا تَرَكْنَا شَيْئًا مِمَّا عَلِمْنَاهُ وَحَفِظْنَاهُ إِلَّا وَقَدْ أَحْصَيْنَاهُ وَكَتَبْنَاهُ، فَيَقُولُ اللَّهُ: إِنَّ لَكَ عِنْدِي حُسْنًا لَا تَعْلَمُهُ، وَأَنَا أَجْزِيكَ بِهِ وَهُوَ الذِّكْرُ الْخَفِيُّ» " اهـ. وَفِي قَوْلِهِ: لَا تَعْلَمُهُ إِشَارَةٌ خَفِيَّةٌ إِلَى مَا قَالَتِ الصُّوفِيَّةُ مِنْ فَنَاءِ الذَّاكِرِ فِي الذِّكْرِ، وَبَقَائِهِ بِالْمَذْكُورِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: ٢٤] أَيْ: نَسِيَتْ نَفْسُكُ أَوْ ذَكِّرْهَا أَيْضًا، بَلِ الشُّعُورُ عَنْهَا، وَالشُّعُورُ عَنْ عَدَمِ الشُّعُورِ هُوَ الْمَقَامُ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِفَنَاءٍ وَالْفَنَاءُ رَزَقَنَا اللَّهُ الْبَقَاءُ وَاللِّقَاءُ. (وَأَحِبَّ فِي اللَّهِ) أَيْ: مَنْ يُعِينُكَ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ (وَأَبْغِضْ فِي اللَّهِ) أَيْ: مَنْ يُشْغِلُكَ عَنِ اللَّهِ (يَا أَبَا رَزِينٍ) : تَكْرَارُ النِّدَاءِ الْمُسْتَطَابِ لِزِيَادَةِ الِاقْتِرَابِ وَرَفْعِ الْحِجَابِ (هَلْ شَعَرْتَ) : بِفَتْحِ الْعَيْنِ، وَيَجُوزُ ضَمُّهُ. فَفِي الْقَامُوسِ: شَعَرَ بِهِ كَنَصَرَ وَكَرُمَ. عِلْمُهُ بِهِ وَفَطِنَ، وَالْمَعْنَى هَلْ عَلِمْتَ (أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ زَائِرًا أَخَاهُ) أَيْ: حَالَ كَوْنِهِ مُرِيدًا زِيَارَةَ أَخِيهِ فِي اللَّهِ (شَيَّعَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، كُلُّهُمْ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ) أَيْ: يَدْعُونَ لَهُ وَيَسْتَغْفِرُونَ أَوْ يُثْنُونَ عَلَيْهِ (وَيَقُولُونَ: رَبَّنَا إِنَّهُ وَصَلَ) : أَيْ: أَخَاهُ (فِيكَ) أَيْ: لِأَجْلِكَ (فَصِلْهُ) أَيْ: بِوَصْلِكَ الْمُعَبِّرِ عَنْ قُرْبِكَ جَزَاءً وِفَاقًا، أَوْ صِلْهُ بِصِلَةٍ مِنْ عِنْدِكَ (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ) أَيْ: دَائِمًا (أَنْ تُعْمِلَ جَسَدَكَ) : مِنَ الْأَعْمَالِ أَيْ: إِنْ قَدَرْتَ أَنْ تَبْذُلَ جُهْدَكَ وَتَسْتَفْرِغَ طَاقَتَكَ (فِي ذَلِكَ) أَيْ: فِي مَجْمُوعِ مَا ذُكِرَ أَوْ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضِ فِيهِ، أَوْ فِي زِيَارَةِ الْأَخِ لِلَّهِ. (فَافْعَلْ) : أَيْ: وَلَا تَمَلَّ فِي حُصُولِ الْعَمَلِ رَجَاءً لِوُصُولِ الْأَمَلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute