٥٠٤٣ - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمِنْبَرَ، فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ فَقَالَ: " يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الْإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ! لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ ; فَإِنَّهُ مَنْ يَتَّبِعْ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــ
٥٠٤٣ - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: صَعِدَ) : بِكَسْرِ الْعَيْنِ أَيْ طَلَعَ (رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمِنْبَرَ، فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ) أَيْ: عَالٍ (فَقَالَ) : بَيَانٌ لِقَوْلِهِ فَنَادَى (يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ) : يَشْتَرِكُ فِيهِ الْمُؤْمِنُ وَالْمُنَافِقُ (وَلَمْ يُفْضِ) : مِنَ الْإِفْضَاءِ أَيْ لَمْ يَصِلِ (الْإِيمَانُ) أَيْ: أَصْلُهُ وَكَمَالُهُ (إِلَى قَلْبِهِ) فَيَشْمَلُ الْفَاسِقَ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ: تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ وَلَا أُخُوَّةَ بَيْنَ الْمُنَافِقِ وَالْمُسْلِمِ، فَمَا اخْتَارَهُ الطِّيبِيُّ مِنْ حَصْرِ حُكْمِ الْحَدِيثِ عَلَى الْمُنَافِقِ خِلَافَ الظَّاهِرِ الْمُوَافِقِ، وَالْحُكْمُ بِالْأَعَمِّ هُوَ الْوَجْهُ الْأَتَمُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ) أَيِ: الْكَامِلِينَ فِي الْإِسْلَامِ، وَهُمُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا بِلِسَانِهِمْ وَآمَنُوا بِقُلُوبِهِمْ (وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ) مِنَ التَّعْيِيرِ وَهُوَ التَّوْبِيخُ وَالتَّعْيِيبُ عَلَى ذَنْبٍ سَبَقَ لَهُمْ مِنْ قَدِيمِ الْعَهْدِ، سَوَاءٌ عَلَى تَوْبَتِهِمْ مِنْهُ أَمْ لَا. وَأَمَّا التَّعْيِيرُ فِي حَالِ الْمُبَاشَرَةِ أَوْ بُعَيْدَهُ قَبْلَ ظُهُورِ التَّوْبَةِ، فَوَاجِبٌ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَرُبَّمَا يَجِبُ الْحَدُّ أَوِ التَّعْزِيرُ، فَهُوَ مِنْ بَابِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ. (وَلَا تَتَّبِعُوا) : مِنْ بَابِ الِافْتِعَالِ أَيْ لَا تَجَسَّسُوا (عَوْرَاتِهِمْ) فِيمَا تَجْهَلُونَهَا وَلَا تَكْشِفُوهَا فَمَا تَعْرِفُونَهَا (فَإِنَّهُ) أَيِ: الشَّأْنُ (مَنْ يَتَّبِعْ) : بِتَشْدِيدِ التَّاءِ مَجْزُومًا، وَقِيلَ مَرْفُوعًا. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمَقْرُوءَةِ عَلَى الْمَشَايِخِ ضُبِطَ بِصِيغَةِ الْمَاضِي الْمَعْلُومِ مِنْ بَابِ التَّفَعُّلِ هُنَا، وَفِيمَا بَعْدُ مِنَ الْمَوْضِعَيْنِ أَيْ مَنْ يَطْلُبُ (عَوْرَةَ أَخِيهِ) أَيْ: ظُهُورَ عَيْبِ أَخِيهِ (الْمُسْلِمِ) أَيِ: الْكَامِلِ بِخِلَافِ الْفَاسِقِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ الْحَذَرُ وَالتَّحْذِيرُ عَنْهُ (يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ) ذَكَرَهُ عَلَى سَبِيلِ الْمُشَاكَلَةِ أَيْ: يَكْشِفُ عُيُوبَهُ، وَمِنْ أَقْبَحِهَا مَنْ تَتَّبَعَ عَوْرَةَ الْأَخِ الْمُسْلِمِ وَهَذَا فِي الْآخِرَةِ (وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ) : مِنْ فَضَحَ كَمَنَعَ أَيْ يَكْشِفُ مَسَاوِيَهُ (وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ) أَيْ لَوْ كَانَ فِي وَسَطِ مَنْزِلِهِ مَخْفِيًّا مِنَ النَّاسِ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور: ١٩]
قَالَ الْغَزَالِيُّ: التَّجَسُّسُ وَالتَّتَبُّعُ ثَمَرَةُ سُوءِ الظَّنِّ بِالْمُسْلِمِ، وَالْقَلْبُ لَا يَقْنَعُ بِالظَّنِّ وَيَطْلُبُ التَّحْقِيقَ فَيُؤَدِّي إِلَى هَتْكِ السِّتْرِ وَحَدُّ الِاسْتِتَارِ أَنْ يُغْلَقَ بَابُ دَارِهِ وَيَسْتَتِرَ بِحِيطَانِهِ، فَلَا يَجُوزُ اسْتِرَاقُ السَّمْعِ عَلَى دَارِهِ لِيَسْمَعَ صَوْتَ الْأَوْتَارِ، وَلَا الدُّخُولُ عَلَيْهِ لِرُؤْيَةِ الْمَعْصِيَةِ إِلَّا أَنْ يَظْهَرَ بِحَيْثُ يَعْرِفُهُ مَنْ هُوَ خَارِجُ الدَّارِ كَأَصْوَاتِ الْمَزَامِيرِ وَالسَّكَارَى بِالْكَلِمَاتِ الْمَأْلُوفَةِ بَيْنَهُمْ، وَكَذَلِكَ إِذَا اشْتَرَوْا أَوَانِيَ الْخَمْرِ وَظُرُوفَهَا وَآلَاتِ الْمَلَاهِي فِي الْكَمِّ وَتَحْتَ الذَّيْلِ فَإِذَا رَأَى لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكْشِفَ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنْشِقَ لِيُدْرِكَ رَائِحَةَ الْخَمْرِ، وَلَا أَنْ يَسْتَخْبِرَ مِنْ جِيرَانِهِ لِيُخْبِرُوهُ بِمَا جَرَى فِي دَارِهِ، وَأُنْشِدَ فِي مَعْنَاهُ شِعْرٌ:
لَا تَلْتَمِسُ مِنْ مَسَاوِي النَّاسِ مَا سَتَرُوا ... فَيَهْتِكَ اللَّهُ سِتْرًا مِنْ مَسَاوِيكَا
وَاذْكُرْ مَحَاسِنَ مَا فِيهِمْ إِذَا ذُكِرُوا ... وَلَا تَعِبْ أَحَدًا مِنْهُمْ بِمَا فِيكَا
وَفِي قَوْلِهِ: (وَلَمْ يُفْضِ الْإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ) إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ مَا لَمْ يَصِلِ الْإِيمَانُ إِلَى الْقَلْبِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْمَعْرِفَةُ بِاللَّهِ، وَلَمْ يُؤَدِّ حُقُوقَهُ، فَإِذًا عِلَاجُ جَمِيعِ أَمْرَاضِ الْقَلْبِ الْمَعْرِفَةُ بِاللَّهِ تَعَالَى لَتُؤَدِّيَ إِلَى أَدَاءِ حُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يُؤْذِي وَلَا يَضُرُّ وَلَا يُعَيِّرُ وَلَا يَتَجَسَّسُ أَحْوَالَهُمُ اهـ. كَلَامُ الْإِمَامِ وَحَصَلَ تَمَامُ الْمَرَامِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) . وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ نَقَلَهُ مِيرَكُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute