للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

٥٠٦٣ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْعَقْلَ قَالَ لَهُ: قُمْ فَقَامَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: اقْعُدْ فَقَعَدَ، ثُمَّ قَالَ: مَا خَلَقْتُ خَلْقًا هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ وَلَا أَفْضَلُ مِنْكَ وَلَا أَحْسَنُ مِنْكَ، بِكَ آخُذُ، وَبِكَ أُعْطِي، وَبِكَ أُعْرَفُ، وَبِكَ أُعَاتِبُ، وَبِكَ الثَّوَابُ، وَعَلَيْكَ الْعِقَابُ» ". وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ.

ــ

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

٥٠٦٣ - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْعَقْلَ قَالَ لَهُ: قُمْ فَقَامَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: اقْعُدْ فَقَعَدَ» ) : ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ خُلِقَ مُجَسَّدًا مُجَسَّمًا كَمَا يُخْلَقُ الْمَوْتُ عَلَى صُورَةِ كَبْشٍ يُذْبَحُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، أَوِ الْمُرَادُ بِالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالْإِقْبَالِ وَالْإِدْبَارِ أُمُورٌ مَعْنَوِيَّةٌ حَاصِلَةٌ مِنْهُ نَاشِئَةٌ عَنْهُ بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ أَرْبَابِ الْعُقُولِ، وَلَعَلَّ الْقِيَامَ كِنَايَةٌ عَنِ الظُّهُورِ وَالْقُعُودِ عَنْ خَفَائِهِ، وَالْإِقْبَالُ عَنْ تَوَجُّهِهِ إِلَى شَيْءٍ، وَالْإِدْبَارُ عَنْ إِعْرَاضِهِ عَنْهُ بِحَسَبِ مَا تُعَلَّقَ بِهِ الْمَشِيئَةُ وَالْإِرَادَةُ الْأَزَلِيَّةُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: الْمَجْمُوعُ كِنَايَةٌ عَنْ أَنَّ الْعَقْلَ هُوَ مَحَلُّ التَّكْلِيفِ، وَإِلَيْهِ تَنْتَهِي الْأَوَامِرُ وَالنَّوَاهِي، وَبِهِ يَتِمُّ غَرَضُ خَلْقِ الْمُكَلَّفِينَ مِنَ الْعِبَادَةِ الَّتِي مَا خُلِقَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا لِأَجْلِهَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ. قُلْتُ: الصَّوَابُ وَضْعُ الْحِكْمَةِ مَوْضِعَ الْعَرْضِ لِأَنَّ أَفْعَالَهُ تَعَالَى لَا تُعَلَّلُ بِالْأَغْرَاضِ. (ثُمَّ قَالَ لَهُ: مَا خَلَقْتُ خَلْقًا هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ) أَيْ: فِي حَدِّ ذَاتِهِ، فَإِنَّهُ جَوْهَرٌ شَرِيفٌ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْوَضِيعُ وَالشَّرِيفُ، وَمِنْ جُمْلَةِ الدَّلَالَةِ عَلَى كَمَالِهِ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يُغْضَبُ مِنْ نِسْبَةِ فَقْدِهِ أَوْ نُقْصَانِهِ إِلَيْهِ (وَلَا أَفْضَلُ مِنْكَ) : لِحُصُولِ الْفَضَائِلِ وَالْفَوَاضِلِ وَزِيَادَةِ الْعِبَادَاتِ وَالدَّرَجَاتِ بِهِ (وَلَا أَحْسَنُ مِنْكَ) أَيْ: حُسْنُ الْمُعَاشَرَةِ وَتَحْسِينُ الْمُعَامَلَةِ (بِكَ) أَيْ: بِسَبَبِكَ أَوْ بِقَدْرِكَ (آخُذُ) أَيِ: الْعِبَادَاتِ مِنْ عِبَادِي (وَبِكَ أُعْطِي) أَيِ: الثَّوَابَ وَالدَّرَجَاتِ (وَبِكَ أُعْرَفُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ ذَاتًا وَصِفَةً وَحُكْمًا (وَبِكَ أُعَاتِبُ) أَيْ: عَلَى مَنْ أُعَاتِبُ، فَإِنَّ الْمَجْنُونَ وَنَحْوَهُ لَا عُتْبَ عَلَيْهِ. (وَبِكَ الثَّوَابُ) أَيْ: وُصُولُهُ حَالَ الْإِقْبَالِ (وَعَلَيْكَ الْعِقَابُ) أَيْ: حُصُولُهُ وَقْتَ الْإِدْبَارِ، وَاعْلَمْ أَنَّ شَرَفَ الْعَقْلِ إِنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِلْعِلْمِ الْمُنْتِجِ لِلْعَمَلِ الْمُؤَدِّي إِلَى السَّعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ، وَسُمِّيَ عَقْلًا لِأَنَّهُ يَعْقِلُ صَاحِبَهُ عَمَّا لَا يَنْبَغِي، كَمَا يُسَمَّى نُهْيَةً لِأَنَّهُ يَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ. وَقَالَ الرَّاغِبُ: الْعَقْلُ يُقَالُ لِلْقُوَّةِ الْمُتَهَيِّئَةِ لِقَبُولِ الْعِلْمِ، وَيُقَالُ لِلْعِلْمِ الَّذِي يَسْتَفِيدُهُ الْإِنْسَانُ بِتِلْكَ الْقُوَّةِ عَقْلٌ، وَلِهَذَا قِيلَ:

فَإِنَّ الْعَقْلَ عَقْلَانِ ... فَمَطْبُوعٌ وَمَسْمُوعٌ

وَلَا يَنْفَعُ مَسْمُوعٌ ... إِذْ لَمْ يَكُ مَطْبُوعٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>