الْعَدْلَ بِأَنْوَاعِهِ أَنْوَارٌ (يَوْمَ الْقِيَامَةِ) : لِأَنَّ الدُّنْيَا مَزْرَعَةُ الْآخِرَةِ، وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ قَالَ الْقَاضِي: هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ، فَيَكُونُ ظُلُمَاتٍ عَلَى صَاحِبِهِ لَا يَهْتَدِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِسَبَبِ ظُلْمِهِ فِي الدُّنْيَا، كَمَا أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَسْعَى بِنُورٍ هُوَ مُسَبَّبٌ عَنْ إِيمَانِهِ فِي الدُّنْيَا. قَالَ تَعَالَى: {نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} [التحريم: ٨] وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالظُّلُمَاتِ هُنَا الشَّدَائِدُ، وَبِهِ فَسَّرُوا قَوْلَهُ تَعَالَى: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الأنعام: ٦٣] أَيْ: شَدَائِدِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنِ الْأَنْكَالِ وَالْعُقُوبَاتِ. قَالَ الطِّيبِيُّ، قَوْلُهُ: عَلَى ظَاهِرِهِ يُوهِمُ أَنَّ قَوْلَهُ ظُلُمَاتٌ هُنَا لَيْسَ مَجَازًا، بَلْ حَقِيقَةً، لَكِنَّهُ مَجَازٌ لِأَنَّهُ حَمَلَ الْمُسَبِّبَ عَلَى السَّبَبِ، فَالْمُرَادُ ظُلُمَاتٌ حَقِيقِيَّةٌ مُسَبَّبَةٌ عَنِ الظُّلْمِ. قُلْتُ: إِنَّمَا أَرَادَ الْقَاضِي بِالْحَقِيقَةِ الْمُقَابَلَةِ لِلْمَجَازِ الْمُفَسَّرِ بِالشِّدَّةِ نَظَرًا إِلَى جَوْهَرِ الْمَعْنَى مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ حَمْلِ اللَّفْظِ بِالْإِعْرَابِ وَالْمَبْنِيِّ، ثُمَّ قَالَ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الشَّدَائِدِ وَالْأَنْكَالِ أَنَّ الشَّدَائِدَ كَائِنَةٌ فِي الْعَرَصَاتِ قَبْلَ دُخُولِ النَّارِ، وَالْأَنْكَالَ بَعْدَ الدُّخُولِ: قُلْتُ: فَالْمُرَادُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ الدَّارُ الْآخِرَةُ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute