للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِزِيَادَةِ الْهَمْزَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الصِّفَاتِ إِفْعَلَةٌ، وَهِيَ فِي الْأَسْمَاءِ أَيْضًا قَلِيلَةٌ، وَمَعْنَاهُ الْمُقَلِّدُ الَّذِي يَجْعَلُ دِينَهُ تَابِعًا لِدِينِ غَيْرِهِ بِلَا رِوَايَةٍ وَلَا تَحْصِيلِ بُرْهَانٍ اهـ. كَلَامُهُ، وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِالنَّهْيِ عَنِ التَّقْلِيدِ الْمُجَرَّدِ حَتَّى فِي الْأَخْلَاقِ فَضْلًا عَنِ الِاعْتِقَادَاتِ وَالْعِبَادَاتِ، ثُمَّ الْأَظْهَرُ أَنَّ الْكَلِمَةَ غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لِصِفَةٍ أَوِ اسْمٍ، بَلْ مَوْضُوعَةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنَ الْكَلِمَتَيْنِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُمَا بِأَنَّا مَعَكَ وَنَظِيرُهَا الْبَسْمَلَةُ وَالْحَيْعَلَةُ وَنَحْوَهُمَا. وَفِي الْقَامُوسِ: الْإِمَّعُ كَهِلَّعٍ وَهِلَّعَةٍ وَيُفْتَحَانِ الرَّجُلُ يُتَابِعُ كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى رَأْيِهِ لَا يَثْبُتُ عَلَى شَيْءٍ، وَمُتَّبِعُ النَّاسِ إِلَى الطَّعَامِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُدْعَى، وَالْمُحْقِبُ النَّاسَ دِينَهُ وَالْمُتَرَدِّدُ فِي غَيْرِ صَنْعَةٍ، وَمَنْ يَقُولُ: أَنَا مَعَ النَّاسِ، لَا يُقَالُ امْرَأَةٌ إِمَّعَةٌ أَوْ قَدْ يُقَالُ وَتَأَمَّعَ وَاسْتَأْمَعَ صَارَ إِمَّعَةً. وَقَالَ شَارِحٌ: الْإِمَّعُ وَالْإِمَّعَةُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ الرَّجُلُ الَّذِي يَكُونُ لِضَعْفِ رَأْيِهِ مَعَ كُلِّ أَحَدٍ، وَالْمُرَادُ هُنَا مَنْ يَكُونُ مَعَ مَا يُوَافِقُ هَوَاهُ، وَيُلَائِمُ أَرْبَ نَفْسِهِ وَمَا يَتَمَنَّاهُ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ هُنَا الَّذِي يَقُولُ: أَنَا أَكُونُ مَعَ النَّاسِ كَمَا يَكُونُونَ مَعِي إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ. قُلْتُ: وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْمُتَعَيَّنُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (يَقُولُونَ) : الظَّاهِرُ أَنَّ الْأَمَّعَةَ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُفْرَدُ وَغَيْرُهُ، أَوِ الْمَعْنَى أَنَّ الْمَوْصُوفِينَ هَذَا الْوَصْفَ يَقُولُونَ: (إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ) أَيْ: إِلَيْنَا أَوْ إِلَى غَيْرِنَا (أَحْسَنَّا) أَيْ: جَزَاءً أَوْ تَبَعًا لَهُمْ (وَإِنْ ظَلَمُوا) أَيْ: ظَلَمُونَا أَوْ ظَلَمُوا غَيْرَنَا فَكَذَلِكَ نَحْنُ (ظَلَمْنَا) : عَلَى وَفْقِ أَعْمَالِهِمْ. قَالَ الطِّيبِيُّ، قَوْلُهُ: يَقُولُونَ إِلَخْ. بَيَانٌ وَتَفْسِيرٌ لِلْأَمَّعَةِ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ وَإِنْ ظَلَمُوا أَنَا مُقَلِّدُ النَّاسِ فِي إِحْسَانِهِمْ وَظُلْمِهِمْ وَمُقْتَفِي أَثَرِهِمْ، (وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ) : أَمْرٌ مِنَ التَّوْطِينِ وَهُوَ الْعَزْمُ وَالْجَزْمُ عَلَى الْفِعْلِ أَيْ: عَزِّمُوا أَنْفُسِكُمْ عَلَى (إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا) أَيْ: فَعَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا (وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا) : قَالَ فِي أَسَاسِ الْبَلَاغَةِ: أَوْطَنَ الْأَرْضَ وَوَطَّنَهَا وَاسْتَوْطَنَهَا، وَمِنَ الْمَجَازِ وَطَّنْتُ نَفْسِي عَلَى كَذَا فَتَوَطَّنَتْ قَالَ:

وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يُوَطِّنُ نَفْسَهُ ... عَلَى نَائِبَاتِ الدَّهْرِ حِينَ تَنُوبُ

وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَوْجِبُوا عَلَى أَنْفُسِكُمُ الْإِحْسَانَ بِأَنْ تَجْعَلُوهَا وَطَنًا لِلْإِحْسَانِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: فَعَلَى هَذَا أَنْ تُحْسِنُوا مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: وَطِّنُوا وَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنْ تُحْسِنُوا، وَالتَّقْدِيرُ: وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى الْإِحْسَانِ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ فَأَحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا لِأَنَّ عَدَمَ الظُّلْمِ إِحْسَانٌ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>