٥١٣٣ - وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «الدَّوَاوِينُ ثَلَاثَةٌ: دِيوَانٌ لَا يَغْفِرُهُ اللَّهُ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ. يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: ٤٨] وَدِيوَانٌ لَا يَتْرُكُهُ اللَّهُ: ظُلْمُ الْعِبَادِ فِيمَا بَيْنَهُمْ حَتَّى يَقْتَصَّ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَدِيوَانٌ لَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِ ظُلْمُ الْعِبَادِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ، فَذَاكَ إِلَى اللَّهِ: إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ تَجَاوَزَ عَنْهُ» ".
ــ
٥١٣٣ - (وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الدَّوَاوِينُ) أَيْ: صَحَائِفُ الْأَعْمَالِ (ثَلَاثَةٌ) أَيْ: ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ مِنَ الدَّوَاوِينِ، وَفِي الْمُغْرِبِ: الدِّيوَانُ الْجَرِيدَةُ مِنْ دُونِ الْكُتُبِ إِذَا جَمَعَهَا لِأَنَّهَا قِطَعٌ مِنَ الْقَرَاطِيسِ مَجْمُوعَةٌ. (دِيوَانٌ لَا يَغْفِرُهُ اللَّهُ) أَيْ: لَا يَغْفِرُهُ وَلَا يَعْفُو عَنْهُ أَلْبَتَّةَ (الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ) : وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْكُفْرُ بِأَنْوَاعِهِ يَقُولُ اللَّهُ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: ٤٨] أَيْ: بِلَا تَوْبَةٍ أَوْ لَا يَغْفِرُ الْإِشْرَاكَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (وَدِيوَانٌ لَا يَتْرُكُهُ اللَّهُ) أَيْ: بِلَا مُحَاسَبَةٍ وَلَا مُطَالَبَةٍ لَا مَحَالَةَ (ظُلْمُ الْعِبَادِ فِيمَا بَيْنَهُمْ حَتَّى يَقْتَصَّ) : مُتَعَلِّقٌ بِلَا يَتْرُكُهُ وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ حَتَّى يَقْتَصَّ (بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ) : أَوْ يَتَفَضَّلَ اللَّهُ عَلَى بَعْضِهِمْ بِإِرْضَاءِ خُصُومِهِمْ، فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الِاقْتِصَاصِ قَائِمٌ مَقَامَ الدِّيَةِ فِي الدُّنْيَا (وَدِيوَانٌ لَا يَعْبَأُ اللَّهُ) : بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ: لَا يُبَالِي (بِهِ) : وَلَا يَرَى لَهُ وَزْنًا مِنَ الْعِبْءِ وَهُوَ الثِّقْلُ (ظُلْمُ الْعِبَادِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ) : وَهَذَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ اللَّهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يُوجِدُ حَقُّ عَبْدٍ إِلَّا وَيَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ اللَّهِ أَيْضًا، فَحُقُوقُ الْعِبَادِ مُرَكَّبَةٌ مِنَ الْجِهَتَيْنِ وَالْجِهَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْعَدَدِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْأُخْرَى لِفَقْرِ الْعَبْدِ وَاسْتِغْنَائِهِ سُبْحَانَهُ (فَذَاكَ) : بِالْأَلْفِ دُونِ اللَّامِ فِي الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْإِشَارَةُ إِلَى الْقَرِيبِ مِنْ حَقِّ الْعَبْدِ (إِلَى اللَّهِ) أَيْ: مُفَوَّضٌ إِلَى مَشِيئَتِهِ (إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ) أَيْ: بِقَدْرِ ذَنْبِهِ أَوْ بِأَقَلَّ مِنْهُ (وَإِنْ شَاءَ تَجَاوَزَ عَنْهُ) أَيْ: غَفَرَهُ مَجَّانًا وَبِتَقْدِيرِنَا هَذَا يَنْدَفِعُ مَا يَرِدُ فِيهِ مِنَ الْإِشْكَالِ حَيْثُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ مِنَ التَّقْسِيمِ قَدْ يُنَافِيهِ آيَةُ {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨] قَالَ الطِّيبِيُّ: وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْقَرِينَةِ الْأُولَى لَا يَغْفِرُ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ الشِّرْكَ لَا يُغْفَرُ أَصْلًا، وَفِي الثَّانِيَةِ لَا يُتْرَكُ فَيُؤْذِنُ بِأَنَّ حَقَّ الْغَيْرِ لَا يُهْمَلُ قَطْعًا إِمَّا بِأَنْ يَقْتَصَّ مِنْ خَصْمِهِ أَوْ يُرْضِيَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَفِي الثَّالِثَةِ لَا يَعْبَأُ لِيَشْعُرَ بِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْمُسَاهَلَةِ فَيَتْرُكَ حَقَّهُ كَرَمًا وَلُطْفًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute