للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

النَّاسِ (شُحًّا مُطَاعًا) : أَوْ إِذَا عَرَفْتَ شُحًّا أَيْ: بُخْلًا مُطَاعًا بِأَنْ أَطَاعَتْهُ نَفْسُكَ وَطَاوَعَهُ غَيْرُكَ (وَهَوًى مُتَّبَعًا) : بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ أَيْ: وَهَوًى لِلنَّفْسِ مَتْبُوعًا، وَطَرِيقَ الْهُدَى مَدْفُوعًا، وَحَاصِلُهُ أَنَّ كُلًّا يَتَّبِعُ هَوَاهُ وَمَا تَأْمُرُهُ نَفْسُهُ الْأَمَّارَةُ وَمَا تَتَمَنَّاهُ (وَدُنْيَا) : بِالْقَصْرِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالتَّنْوِينِ وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنِ الْمَالِ وَالْجَاهِ فِي الدَّارِ الدَّنِيَّةِ (مُؤْثَرَةً) أَيْ: مُخْتَارَةً عَلَى أُمُورِ الدِّينِ وَدَرَجَاتِ الْآخِرَةِ ( «وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ» ) أَيْ: مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، وَالْقِيَاسِ عَلَى أَقْوَى الْأَدِلَّةِ وَتَرْكِ الِاقْتِدَاءِ بِنَحْوِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَالْإِعْجَابُ بِكَسْرِ الْهَمْزِ هُوَ وِجْدَانُ الشَّيْءِ حَسَنًا، وَرُؤْيَتُهُ مُسْتَحْسَنًا بِحَيْثُ يَصِيرُ صَاحِبُهُ بِهِ مُعْجَبًا، وَعَنْ قَبُولِ كَلَامِ الْغَيْرِ مُجَنَّبًا وَإِنْ كَانَ قَبِيحًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، (وَرَأَيْتَ أَمْرًا لَا بُدَّ لَكَ مِنْهُ) : بِضَمِّ الْمُوَحِّدَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُهْمِلَةِ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ وَالْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِالْبَاءُ الْمُوَحَّدَةُ بِمَعْنَى لَا فِرَاقَ لَكَ مِنْهُ، وَالْمَعْنَى رَأَيْتَ أَمْرًا يَمِيلُ إِلَيْهِ هَوَاكَ وَنَفْسُكَ مِنَ الصِّفَاتِ الذَّمِيمَةِ، حَتَّى إِذَا قُمْتَ بَيْنَ النَّاسِ لَا مَحَالَةَ أَنْ تَقَعَ فِيهَا (فَعَلَيْكَ نَفْسَكَ) : وَاعْتَزِلْ عَنِ النَّاسِ حَذَرًا مِنَ الْوُقُوعِ، وَأَنْ يَكُونَ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ كَمَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ، وَالْمَعْنَى، فَإِنْ رَأَيْتَ أَمْرًا لَا طَاقَةَ لَكَ مِنْ دَفْعِهِ فَعَلَيْكَ نَفْسَكَ اهـ. وَنَفْسَكَ مَنْصُوبٌ، وَقِيلَ مَرْفُوعٌ أَيْ: فَالْوَاجِبُ أَوْ فَيَجِبُ عَلَيْكَ حِفْظُهَا مِنَ الْمَعَاصِي، لَكِنْ يُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِلْإِغْرَاءِ بِمَعْنَى الْزَمْ خَاصَّةَ نَفْسِكَ. قَوْلُهُ: (وَدَعْ أَمْرَ الْعَوَامِّ) أَيْ: وَاتْرُكْ أَمْرَ عَامَّةِ النَّاسِ الْخَارِجِينَ عَنْ طَرِيقِ الْخَوَاصِّ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إِذَا رَأَيْتَ بَعْضَ النَّاسِ يَعْمَلُونَ الْمَعَاصِي، وَلَا بُدَّ لَكَ مِنَ السُّكُوتِ لِعَجْزِكَ فَاحْفَظْ نَفْسَكَ عَنِ الْمَعَاصِي، وَاتْرُكِ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَاشْتَغِلْ بِنَفْسِكَ، وَدَعْ أَمْرَ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ، فَإِنَّهُ تَعَالَى لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا (فَإِنَّ وَرَاءَكُمْ) أَيْ: قُدَّامَكُمْ مِنَ الْأَزْمَانِ الْآتِيَةِ، أَوْ خَلْفَكُمْ مِنَ الْأُمُورِ الْهَاوِيَةِ (أَيَّامَ الصَّبْرِ) أَيْ: أَيَّامًا لَا طَرِيقَ لَكُمْ فِيهَا إِلَّا الصَّبْرُ، أَوْ أَيَّامًا يُحْمَدُ فِيهَا الصَّبْرُ وَهُوَ الْحَبْسُ عَلَى خِلَافِ النَّفْسِ مِنِ اخْتِيَارِ الْعُزْلَةِ وَتَرْكِ الْخِلْطَةِ وَالْخَلْوَةِ، (فَمَنْ صَبَرَ فِيهِنَّ) أَيْ: فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ (قَبَضَ عَلَى الْجَمْرِ) : يَرَى يَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ بِالصَّبْرِ كَمَشَقَّةِ الصَّابِرِ عَلَى قَبْضِ الْجَمْرِ بِيَدِهِ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّاطِبِيُّ بِقَوْلِهِ:

وَهَذَا زَمَانُ الصَّبْرِ مَنْ لَكَ بِالَّتِي ... كَقَبْصٍ عَلَى جَمْرٍ فَتَنْجُو مِنَ الْبَلَا

(لِلْعَامِلِ) أَيِ: الْكَامِلِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُكَمِّلًا لِغَيْرِهِ. (أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ) أَيْ: فِي غَيْرِ زَمَانِهِ (قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَجْرُ خَمْسِينَ) : بِتَقْدِيرِ الِاسْتِفْهَامِ (مِنْهُمْ) : فِيهِ تَأْوِيلَانِ أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ أَجْرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ غَيْرُ مُبْتَلًى وَلَمْ يُضَاعَفْ أَجْرُهُ، وَثَانِيهُمَا: أَنْ يُرَادَ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ لَمْ يُبْتَلَوْا بِبَلَائِهِ (قَالَ: " أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ) : وَقَدْ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَالْبَغَوِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَأَبُو الشَّيْخِ، وَابْنُ مَرْدُوَيْهِ، وَالْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ فَقُلْتُ لَهُ: كَيْفَ تَصْنَعُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ؟ قَالَ: أَيُّ آيَةٍ؟ قُلْتُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [المائدة: ١٠٥] قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيرًا، سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ: " «فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ، الصَّابِرُ فِيهِنَّ مِثْلَ الْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ» ". وَقَدْ ذَكَرَ الْبَغَوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ بِإِسْنَادِهِ إِلَى ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ، كَمَا فِي أَصْلِ الْمِشْكَاةِ إِلَى قَوْلِهِ: مِثْلَ عَمَلِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَزَادَ فِي غَيْرِهِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: (أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>