للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥١٥٤ - وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ الْمَعْرُوفَ وَالْمُنْكَرَ خَلِيقَتَانِ، تُنْصَبَانِ لِلنَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَمَّا الْمَعْرُوفُ فَيُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ وَيُوعِدُهُمُ الْخَيْرَ، وَأَمَّا الْمُنْكَرُ فَيَقُولُ: إِلَيْكُمْ إِلَيْكُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُ إِلَّا لُزُومًا» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي " شُعَبِ الْإِيمَانِ ".

ــ

٥١٥٤ - (وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ الْمَعْرُوفَ وَالْمُنْكَرَ خَلِيقَتَانِ) أَيْ: مَخْلُوقَتَانِ. ذَكَرَهُ الطِّيبِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَعْنَى سَيَخْلُقَانِ خَلْقًا آخَرَ كَسَائِرِ الْمَعَانِي مِنَ الْأَعْمَالِ وَالْمَوْتِ وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَيُجَسَّدَانِ وَيُجَسَّمَانِ لِقَوْلِهِ: (تُنْصَبَانِ) : بِصِيغَةِ التَّأْنِيثِ عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالتَّذْكِيرِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّ التَّاءَ فِي الْخَلِيقَةِ لَيْسَتْ لِلتَّأْنِيثِ، بَلْ لِلْمُبَالَغَةِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمَا نَوْعَانِ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ يَظْهَرَانِ ( «لِلنَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَمَّا الْمَعْرُوفُ فَيُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ» ) أَيْ: أَهْلُ الْمَعْرُوفِ بِالْفِعْلِ أَوِ الْأَمْرِ (وَيُوعِدُهُمُ الْخَيْرَ) أَيْ: وَيُوعِدُهُمُ ابْتِغَاءَ الْجَمِيلِ وَالْجَزَاءِ الْجَزِيلِ، وَبِالْمُوَاصَلَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ (وَأَمَّا الْمُنْكَرُ، فَيَقُولُ) أَيْ: لِأَصْحَابِ الْمُنْكَرِ بِلِسَانِ الْقَالِ أَوْ بِبَيَانِ الْحَالِ (إِلَيْكُمْ إِلَيْكُمْ) أَيِ: ابْعُدُوا عَنِّي، وَتَنَحَّوْا مِنْ قُرْبِي (وَمَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُ إِلَّا لُزُومًا) أَيْ: لُصُوقًا وَقُرْبًا مِنْ نَتِيجَةِ الْمُنْكَرِ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ عِتَابِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ يَظْهَرُ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ وَأَطْيَبِ رِيحٍ فِي الْقَبْرِ، وَكَذَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالْعَمَلَ الطَّالِحَ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَرَدَ فِي حَدِيثٍ قُدْسِيٍّ: ( «يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا عَلَيْكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهَ» ) : وَتَحْقِيقُ الْمَرَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُوجِبَةٍ لِلثَّوَابِ وَالْعِقَابِ بِذَوَاتِهَا، أِلَّا أَنَّهُ تَعَالَى أَجْرَى عَادَتَهُ بِرَبْطِهِمَا رَبْطَ الْمُسَبِّبَاتِ بِالْأَسْبَابِ، وَأَنْشَدَ بَعْضُ أَرْبَابِ الْأَلْبَابِ:

أَخَافُ وَأَرْجُو عَفْوَهُ وَعِقَابَهُ وَأَعْلَمُ حَقًّا أَنَّهُ حُكَمٌ عَدْلُ فَإِنْ يَكَ عَفْوًا فَهُوَ مِنْهُ تَفَضُّلٌ وَإِنْ يَكَ تَعْذِيبًا فَإِنِّي لَهُ أَهْلُ

وَالتَّدْقِيقُ وَاللَّهُ وَلِيُّ التَّوْفِيقِ أَنَّ السَّبَبَ الْفَاعِلِيَّ لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ لَيْسَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ بِمُقْتَضَى فَضْلِهِ وَعَدْلِهِ وَبِمُوجِبِ جَمَالِهِ وَجَلَالِهِ، وَأَمَّا السَّبَبُ الْقَابِلِيُّ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ أَيْضًا مِنْهُ فِي الْحَقِيقَةِ إِلَّا أَنَّ قَابِلِيَّةَ الْخَيْرِ مِنَ الِاسْتِعْدَادِ الْأَصْلِيِّ الَّذِي مِنَ الْفَيْضِ الْأَقْدَسِ الَّذِي لَا دَخْلَ لِلِاخْتِيَارِ فِيهِ، وَقَابِلِيَّةَ الشَّرِّ مِنَ الِاسْتِعْدَادِ الْحَادِثِ بِسَبَبِ ظُهُورِ النَّفْسِ بِالصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ الْحَاجِيَّةِ لِلْقَلْبِ الْمُكَدِّرَةِ لِجَوْهَرِ الرُّوحِ، حَتَّى احْتَاجَ إِلَى الصَّقْلِ بِالرَّزَايَا وَالْبَلَايَا وَنَحْوَهَا، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: ٣٠] وَهَهُنَا يَتَمَوَّجُ أَمْوَاجُ بَحْرِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ لِتُقَسِّمَ الْعِبَادَ فِيمَا يَفْعَلُونَ، وَسَفِينَةُ النَّجَاةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: ٢٣] . (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي " شُعَبِ الْإِيمَانِ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>