٥١٧٩ - وَعَنْ أَبِي مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَنْ أَحَبَّ دُنْيَاهُ أَضَرَّ بِآخِرَتِهِ، وَمَنْ أَحَبَّ آخِرَتَهُ أَضَرَّ بِدُنْيَاهُ، فَآثِرُوا مَا يَبْقَى عَلَى مَا يَفْنَى» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي (شُعَبِ الْإِيمَانِ) .
ــ
٥١٧٩ - وَعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (" مَنْ أَحَبَّ دُنْيَاهُ ") أَيْ: حُبًّا يَغْلِبُ عَلَى حُبِّ مَوْلَاهُ (" أَضَرَّ بِآخِرَتِهِ ") : الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ، وَكَذَا فِي الْقَرِينَةِ الْآتِيَةِ أَيْ: نَقْصُ دَرَجَتِهِ فِي الْآخِرَةِ ; لِأَنَّهُ يَشْغَلُ ظَاهِرَهُ وَبَاطِنَهُ بِالدُّنْيَا، فَلَا يَكُونُ لَهُ فَرَاغٌ لِأَمْرِ الْأُخْرَى وَلِطَاعَةِ الْمَوْلَى (" «وَمَنْ أَحَبَّ آخِرَتَهُ أَضَرَّ بِدُنْيَاهُ» ") أَيْ: لِعَدَمِ تَوَجُّهِ فِكْرِهِ وَخَاطِرِهِ لِأَمْرِهَا لِاشْتِغَالِهِ بِأَمْرِ الْآخِرَةِ وَمُهِمِّهَا، (" فَآثِرُوا ") : تَفْرِيعٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ أَوْ جَوَابُ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِذَا عَرَفْتُمْ أَنَّهُمَا ضِدَّانِ لَا يَجْتَمِعَانِ، وَلِذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «أَجْوَعُكُمْ فِي الدُّنْيَا أَشْبَعُكُمْ فِي الْعُقْبَى، وَرُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٌ فِي الْأُخْرَى» ". وَقَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ السَّاعَةِ {خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ} [الواقعة: ٣] فَآثِرُوا بِالْمَدِّ أَيْ: فَاخْتَارُوا. (" مَا يَبْقَى عَلَى مَا يَفْنَى ") : فَإِنَّ الْعَاقِلَ يَخْتَارُ الْخَزَفَ الْبَاقِيَ عَلَى الذَّهَبِ الْفَانِي، فَكَيْفَ وَالْأَمْرُ بِالْعَكْسِ؟ وَلِذَا قَالَ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَقَلُّ الْعِلْمِ، بَلْ أَقَلُّ الْإِيمَانِ، بَلْ أَقَلُّ الْعَقْلِ أَنْ يَعْرِفَ صَاحِبُهُ أَنَّ الدُّنْيَا فَانِيَةٌ، وَأَنَّ الْآخِرَةَ بَاقِيَةٌ، وَنَتِيجَةُ هَذَا الْعِلْمِ أَنْ يُعْرِضَ عَنِ الْفَانِي، وَيُقْبِلَ عَلَى الْبَاقِي، وَعَلَامَةُ الْإِقْبَالِ عَلَى الْعُقْبَى وَالْإِعْرَاضِ عَنِ الدُّنْيَا وَالِاسْتِعْدَادِ لِلْمَوْتِ قَبْلَ وُقُوعِ الْمِيعَادِ وَظُهُورِ الْمَعَادِ. قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَيْ: هُمَا كَكِفَّتَيْ مِيزَانٍ، فَإِذَا رَجَحَتْ إِحْدَى الْكِفَّتَيْنِ خَفَّتِ الْأُخْرَى، وَبِالْعَكْسِ. وَذَلِكَ أَنَّ مَحَبَّةَ الدُّنْيَا سَبَبٌ لِاشْتِغَالِهِ بِهَا، وَالِانْهِمَاكِ فِيهَا، وَذَلِكَ لِلِاشْتِعَالِ عَنِ الْآخِرَةِ، فَيَخْلُو عَنِ الذِّكْرِ وَالْفِكْرِ وَالطَّاعَةِ، فَيَفُوتُ الْفَوْزُ بِدَرَجَاتِهَا وَثَوَابِهَا. وَهُوَ عَيْنُ الْمَضَرَّةِ سِوَى مَا يُقَاسِيهِ مِنَ الْخَوْفِ وَالْحُزْنِ وَالْغَمِّ وَالْهَمِّ وَالتَّعَبِ فِي دَفْعِ الْحُسَّادِ، وَتَجَشُّمِ الْمَصَاعِبِ فِي حِفْظِ الْأَمْوَالِ وَكَسْبِهَا فِي الْبِلَادِ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ) : وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ. (وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ) : وَكَذَا الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، وَرَوَى الْخَطِيبُ فِي الْجَامِعِ، عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: " «خَيْرُكُمْ مَنْ لَمْ يَتْرُكْ آخِرَتَهُ لِدُنْيَاهُ وَلَا دُنْيَاهُ لِآخِرَتِهِ وَلَمْ يَكُنْ كَلًّا عَلَى النَّاسِ» ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute