٥١٨٤ - وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَرَجَ يَوْمًا وَنَحْنُ مَعَهُ، فَرَأَى قُبَّةً مُشْرِفَةً، فَقَالَ " مَا هَذِهِ؟ " قَالَ أَصْحَابُهُ: هَذِهِ لِفُلَانٍ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَسَكَتَ وَحَمَلَهَا فِي نَفْسِهِ، حَتَّى إِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ النَّاسُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، صَنَعَ ذَلِكَ مِرَارًا حَتَّى عَرَفَ الرَّجُلُ الْغَضَبَ فِيهِ وَالْإِعْرَاضَ عَنْهُ، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى أَصْحَابِهِ وَقَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأُنْكِرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالُوا: خَرَجَ فَرَأَى قُبَّتَكَ. فَرَجَعَ الرَّجُلُ إِلَى قُبَّتِهِ فَهَدَمَهَا حَتَّى سَوَّاهَا بِالْأَرْضِ. فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ، فَلَمْ يَرَهَا، قَالَ: " مَا فَعَلَتِ الْقُبَّةُ؟ " قَالُوا: شَكَا إِلَيْنَا صَاحِبُهَا إِعْرَاضَكَ، فَأَخْبَرْنَاهُ، فَهَدَمَهَا. فَقَالَ: " أَمَا إِنَّ كَلَّ بِنَاءٍ وَبَالٌ عَلَى صَاحِبِهِ إِلَّا مَا لَا، إِلَّا مَا لَا " يَعْنِي إِلَّا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
٥١٨٤ - (وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ أَنَسٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا) أَيْ: وَقْتًا (وَنَحْنُ مَعَهُ) : جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (فَرَأَى قُبَّةً مُشْرِفَةً) أَيْ: بِنَاءً عَالِيًا (فَقَالَ: " مَا هَذَا؟ ") : اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ أَيْ: مَا هَذِهِ الْعِمَارَةُ الْمُنْكَرَةُ وَمَنْ بَانِيهَا؟ (قَالَ أَصْحَابُهُ: هَذِهِ لِفُلَانٍ، رَجُلٍ) : بِالْجَرِّ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالرَّفْعِ (مِنَ الْأَنْصَارِ، فَسَكَتَ وَحَمَلَهَا) أَيْ: أَضْمَرَ تِلْكَ الْفَعْلَةَ (فِي نَفْسِهِ) : غَضَبًا عَلَى فَاعِلِهَا فِي فِعْلِهَا، فَفِي أَسَاسِ الْبَلَاغَةِ حَمَلْتَ الْحِقْدَ عَلَيْهِ إِذَا أَضْمَرْتَهُ. قَالَ الشَّاعِرُ:
وَلَا أَحْمِلُ الْحِقْدَ الْقَدِيمَ عَلَيْهِمُ ... وَلَيْسَ رَئِيسُ الْقَوْمِ مَنْ يَحْمِلُ الْحِقْدَا
(حَتَّى لَمَّا جَاءَ صَاحِبُهَا، فَسَلَّمَ) أَيْ: صَاحِبُهَا (عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (فِي النَّاسِ) أَيْ: فِي مَحْضَرٍ مِنْهُمْ، أَوْ فِيمَا بَيْنَهُمْ (فَأَعْرَضَ عَنْهُ) أَيْ: فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ، أَوْ رَدَّ وَأَعْرَضَ عَنِ الِالْتِفَاتِ، كَمَا هُوَ دَأْبُهُ مِنَ الْمُلَاطَفَةِ لَدَيْهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَأْدِيبًا لَهُ وَتَنْبِيهًا لِغَيْرِهِ (صَنَعَ ذَلِكَ مِرَارًا) : لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ جَوَابَ لَمَّا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَدْخُولَ حَتَّى، وَلَمَّا الْحِينِيَّةُ ظَرْفٌ مُعْتَرِضٌ بَيْنَ الْعَامِلِ وَالْمَعْمُولِ مُسَامَحَةً، وَكَانَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ جَعَلَ قَوْلَهُ صَنَعَ اسْتِئْنَافَ بَيَانٍ حَيْثُ قَالَ قَوْلُهُ: فَأَعْرَضَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَوَابَ لَمَّا مَعَ الْفَاءِ وَهُوَ قَلِيلٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَدَّرَ جَوَابَ لَمَّا أَيْ كَرِهَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ وَقَوْلُهُ: (حَتَّى عَرَفَ الرَّجُلُ الْغَضَبَ فِيهِ) أَيْ: عَرَفَ أَنَّ الْغَضَبَ كَانَ لِأَجْلِهِ (وَالْإِعْرَاضَ عَنْهُ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute