لِذَاتِهِ، وَلِذَا وَرَدَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {بِيَدِكَ الْخَيْرُ} [آل عمران: ٢٦] مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ. وَفِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ: " «الْخَيْرُ كُلُّهُ بِيَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ» " أَدَبًا. فَقِيلَ: الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُنْسَبُ إِلَيْكَ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الشَّرَّ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِتَرْكِ الْخَيْرِ، فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِسْبَةُ التَّضَادِّ كَالنُّورِ وَالظُّلْمَةِ وَالْوُجُودِ وَالْعَدَمِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلَّهِ خَزَائِنَ لِلشَّرِّ أَيْضًا قَوْلُهُ: (" «فَطُوبَى لِعَبْدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ مِفْتَاحًا لِلْخَيْرِ» ") أَيْ: عِلْمًا أَوْ عَمَلًا أَوْ حَالًا أَوْ مَالًا (" وَمِغْلَاقًا لِلشَّرِّ وَوَيْلٌ لَعَبْدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ مِفْتَاحًا لِلشَّرِّ ") أَيْ: لِلْكُفْرِ وَالْعِصْيَانِ وَالْبَطَرِ وَالطُّغْيَانِ وَالْبُخْلِ، وَسُوءِ الْعِشْرَةِ مَعَ الْإِخْوَانِ (" مِغْلَاقًا لِلْخَيْرِ ") . قَالَ الرَّاغِبُ: الْخَيْرُ مَا يَرْغَبُ فِيهِ الْكُلُّ كَالْعَقْلِ مَثَلًا وَالْعَدْلِ وَالْفَضْلِ وَالشَّيْءِ النَّافِعِ، وَالشَّرُّ ضِدُّهُ، وَالْخَيْرُ وَالشَّرُّ قَدْ يَتَّحِدَانِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ خَيْرُ الْوَاحِدِ شَرَّ الْآخَرِ، كَالْمَالِ الَّذِي يَكُونُ رِيَاءً كَانَ خَيْرًا لِزَيْدٍ وَشَرًّا لِعَمْرٍو، وَلِذَلِكَ وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْأَمْرَيْنِ فَقَالَ فِي مَوْضِعٍ {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} [البقرة: ١٨٠] أَيْ: مَالًا. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ} [المؤمنون: ٥٥] انْتَهَى. وَكَذَا الْعِلْمُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَعْضِهِمْ حِجَابٌ وَسَبَبُ الْعَذَابِ، وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى بَعْضٍ آخَرَ اقْتِرَابٌ إِلَى رَبِّ الْأَرْبَابِ، وَقِيسَ عَلَى هَذَا الْعِبَادَةِ، فَإِنَّ مِنْهَا مَا يُورِثُ الْعُجْبَ وَالْغُرُورَ، وَمِنْهَا مَا يُورِثُ النُّورَ وَالسُّرُورَ وَالْحُبُورَ كَالسَّيْفِ وَالْخَيْلِ وَنَحْوِهَا. قَدْ يُجْعَلُ آلَةً لِلْجِهَادِ مَعَ الْكُفَّارِ، وَيُتَوَصَّلُ بِهَا إِلَى الْقَرَارِ فِي دَارِ الْأَبْرَارِ، وَقَدْ يُتَوَصَّلُ بِهَا إِلَى قَتْلِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ، وَيُنْتَهَى بِهَا إِلَى الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ، وَهَذَا مَعْنَى مَا سَيَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «أَلَا وَإِنَّ الْخَيْرَ كُلَّهُ بِحَذَافِيرِهِ فِي الْجَنَّةِ أَلَا وَإِنَّ الشَّرَّ كُلَّهُ بِحَذَافِيرِهِ فِي النَّارِ» ". يَعْنِي بِحَسَبِ مَا قُسِمَ لِأَهْلِهِ قِسْمَةً أَزَلِيَّةً أَبَدِيَّةً مَبْنِيَّةً عَلَى جَعْلِ بَعْضِهِمْ مَرَائِي الْجَمَالِ وَبَعْضِهِمْ مَظَاهِرَ الْجَلَالِ، كَمَا قَالَ: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى: ٧] وَقَدْ قَالَ: ( «خَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلْجَنَّةِ وَلَا أُبَالِي وَخَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلنَّارِ وَلَا أُبَالِي» ) مُشِيرًا إِلَى قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: ٢٣] فَبَحْرُ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ عَرِيضٌ عَمِيقٌ، لَا يَغُوصُ فِيهِ إِلَّا مَنْ لَهُ تَحْقِيقٌ بِتَوْفِيقٍ يَتَحَيَّرُ فِيهِ أَرْبَابُ السَّوَاحِلِ، وَيَمْضِي مِنْهُ أَصْحَابُ سُفُنِ الشَّرَائِعِ الْكَوَامِلِ. (رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ) : وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا " «إِنَّ هَذِهِ الْأَخْلَاقَ مِنَ اللَّهِ، فَمَنْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ خَيْرًا مَنَحَهُ خُلُقًا حَسَنًا وَمَنْ أَرَادَ لَهُ سُوءًا مَنَحَهُ سَيِّئًا» ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute