للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥٢٢٦ - وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: عِظْنِي وَأَوْجِزْ. فَقَالَ: " إِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ فَصَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّعٍ، وَلَا تَكَلَّمْ بِكَلَامٍ تَعْذِرُ مِنْهُ غَدًا، وَأَجْمِعِ الْإِيَاسَ مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ» ".

ــ

٥٢٢٦ - (وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: عِظْنِي وَأَوْجِزْ» ) أَيِ اخْتَصِرْ وَعَلَى الْمُهِمِّ اقْتَصِرْ (فَقَالَ: " إِذَا قُمْتَ ") أَيْ: شَرَعْتَ (" فِي صَلَاتِكَ فَصَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّعٍ ") : بِكَسْرِ الدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ: مُوَدِّعٍ لِمَا سِوَى اللَّهِ بِالِاسْتِغْرَاقِ فِي مُنَاجَاةِ مَوْلَاكَ، أَوِ الْمَعْنَى صَلِّ صَلَاةَ مَنْ يُوَدِّعُ الصَّلَاةَ، وَمِنْهُ حَجَّةُ الْوَدَاعِ أَيِ: اجْعَلْ صَلَاتَكَ آخِرَ الصَّلَاةِ فَرْضًا فَحَسِّنْ خَاتِمَةَ عَمَلِكَ، وَأَقْصِرْ طُولَ أَمَلِكَ لِاحْتِمَالِ قُرْبِ أَجَلِكَ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَيْ: فَأَقْبِلْ عَلَى اللَّهِ بِشَرَاشِرِكَ، وَوَدِّعْ غَيْرَكَ لِمُنَاجَاةِ رَبِّكَ (" وَلَا تَكَلَّمْ ") : بِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ وَفِي نُسْخَةٍ بِإِثْبَاتِهِمَا أَيْ: " لَا تَتَحَدَّثْ (" بِكَلَامٍ تَعْذِرُ ") : بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِ الذَّالِ أَيْ: تَحْتَاجُ أَنْ تَعْتَذِرَ (" مِنْهُ ") أَيْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْكَلَامِ (" غَدًا ") أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ الْمَعْنَى لِقَوْلِهِ: " «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» ". (" وَأَجْمِعِ الْإِيَاسَ ") : بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَيَجُورُ عَكْسُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ} [طه: ٦٤] فَقَدْ قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو بِوَصْلِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ مِنْ جَمَعَ يَجْمَعُ، وَالْبَاقُونَ بِقَطْعِهَا وَالْكَسْرُ مِنْ أَجْمَعَ. بِمَعْنَى عَزَمَ عَلَى الْأَمْرِ أَوْ هُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنَى الْجَمْعِ فَالْمَعْنَى اعْزِمْ عَلَى قِطَعِ الْيَأْسِ أَوْ أَجْمِعْ خَاطِرَكَ عَلَى قَصْدِ الْيَأْسِ وَتَرْكِ الطَّمَعِ (" مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ ") أَيْ قَنَاعَةً بِالْكِفَايَةِ الْمُقَدَّرَةِ بِالْقِسْمَةِ الْمُحَرَّرَةِ الْمُقَرَّرَةِ. فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الزخرف: ٣٢] إِلَى أَنْ قَالَ: {وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف: ٣٥] وَفِي الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الِاسْتِئْنَاسَ بِالنَّاسِ مِنْ عَلَامَةِ الْإِفْلَاسِ، وَأَنَّ الْغِنَى الْقَلْبِيَّ هُوَ الْإِيَاسُ مِمَّا أَبْدَى النَّاسُ.

وَقَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَيْ: أَجْمِعْ رَأْيَكَ عَلَى الْيَأْسِ مِنَ النَّاسِ، وَصَمِّمْ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ} [طه: ٦٤] قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِيَاسَ وَقَعَ مَوْقِعَ الْيَأْسِ سَهْوًا مِنَ الْكَاتِبِ ; لِأَنَّ الْإِيَاسَ مَصْدَرُ أَسِهَ إِذَا أَعْطَاهُ، وَلَيْسَ مَصْدَرَ أَيِسَ مَقْلُوبِ يَئِسَ، لِأَنَّ مَصْدَرَ الْقُلُوبِ يُوَافِقُ الْفِعْلَ الْأَصْلِيَّ لَا الْمَقْلُوبَ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ مَنْ آيَسَ نَفْسَهُ مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ إِيئَاسًا فَخَفَّفَ الْهَمْزَةَ أَيْ بِالنَّقْلِ وَالْحَذْفِ انْتَهَى. وَفِي الْقَامُوسِ أَيِسَ مِنْهُ كَسَمِعَ إِيَاسًا قَنِطَ، فَبَطَّلَ تَخْطِئَةُ الرِّوَايَةِ الْحُفَّاظَ الْمُعْتَمَدِينَ عَلَى ذَوَاتِ الصُّدُورِ لَا عَلَى مَا فِي السُّطُورِ، خُصُوصًا وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ مُصَحَّحَةٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِيرَكُ نَقْلًا عَنِ الْمُنْذِرِيِّ بَعْدَ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ: (رَوَاهُ أَحْمَدُ) أَيْ: عَنْ أَبِي أَيُّوبَ وَلِهَذَا الْحَدِيثِ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَوْصِنِي. قَالَ: " عَلَيْكَ بِالْإِيَاسِ مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ، وَإِيَّاكَ وَالطَّمَعَ فَإِنَّهُ الْفَقْرُ الْحَاضِرُ، وَصَلِّ صَلَاتَكَ وَأَنْتَ مُوَدِّعٌ وَإِيَّاكَ وَمَا يُعْتَذَرُ مِنْهُ» ". رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الزُّهْدِ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: وَاللَّفْظُ لَهُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ اه.

وَمِنَ الْمُحَالِ اتِّفَاقُ الْحُفَّاظِ وَالْأَصْحَابِ عَلَى سَهْوٍ وَقَعَ مِنْ أَحَدِ الْكُتَّابِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>