بَابُ فَضْلِ الْفُقَرَاءِ وَمَا كَانَ مِنْ عَيْشِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
٥٢٣١ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
[١] بَابُ فَضْلِ الْفُقَرَاءِ وَمَا كَانَ مِنْ عَيْشِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْمُرَادُ بِالْفَضْلِ هُنَا زِيَادَةُ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ لَا فَضِيلَةُ الْمَالِ وَزِيَادَةُ تَحْسِينِ الثِّيَابِ وَقَوْلُهُ: وَمَا كَانَ مِنْ عَيْشِ النَّبِيِّ أَيْ: مَعِيشَتِهِ، وَفِي نُسْخَةٍ: مِنْ عَيْشِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَضْلِ الْفُقَرَاءِ عَلَى مَا لَا يَخْفَى، وَنُكْتَةُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ عَيْشُهُ عَيْشَ الْفُقَرَاءِ، كَأَكْثَرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ، وَكَفَى بِهِ فَضْلًا لِلْفُقَرَاءِ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ، وَإِنْ خَفِيَ هَذَا الْأَمْرُ عَلَى بَعْضِ الْأَغْنِيَاءِ مِمَّنِ ادَّعَى أَنَّهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ.
٥٢٣١ - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رُبَّ أَشْعَثَ ") أَيْ: رُبَّ رَجُلٍ أَشْعَثَ أَيْ: مُتَفَرِّقِ شَعْرِ رَأْسِهِ (" مَدْفُوعٍ ") بِالْجَرِّ (" بِالْأَبْوَابِ ") أَيْ: مَمْنُوعٌ مِنْهَا بِالْيَدِ أَوِ اللِّسَانِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُدْخِلُهُ أَحَدٌ فِي بَيْتِهِ لَوْ فُرِضَ وُقُوفُهُ عَلَى بَابِهِ مِنْ غَايَةِ حَقَارَتِهِ فِي نَظَرِ النَّاسِ، وَذَلِكَ لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ سَتْرَ حَالِهِ عَنِ الْخَلْقِ لِئَلَّا يَحْصُلَ لَهُ بِالْغَيْرِ شَيْءٌ مِنَ الِاسْتِئْنَاسِ، فَيَحْفَظُهُ مِنَ الْوُقُوفِ عَلَى أَبْوَابِ الظُّلْمَةِ وَأَكْلِ الْحَرَامِ، كَمَا يَحْمِي أَحَدُنَا الْمَرِيضَ عَنِ اسْتِعْمَالِ الطَّعَامِ، فَلَا يَحْضُرُ إِلَّا بَابَ مَوْلَاهُ، وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا سِوَاهُ مِنْ كَمَالِ غِنَاهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّهُ يَأْتِي أَبْوَابَ أَرْبَابِ الدُّنْيَا فَيَطْرُدُونَهُ عَنْهَا، وَيَدْفَعُونَهُ عَنْ دُخُولِهِ مِنْهَا، فَإِنَّ الْأَوْلِيَاءَ مَحْفُوظُونَ، عَنْ هَذِهِ الْمَذَلَّةِ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَقَعُ لِبَعْضِهِمْ مِنِ اخْتِيَارِ أَرْبَابِ الْمَلَامَةِ أَوْ مِمَّنْ صَدَرَ عَنْهُ الذِّلَّةُ، وَلَعَلَّ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مَرْفُوعٌ بِالرَّاءِ حَتَّى قَالَ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْأَشْعَثُ هُوَ الْمُغَبَّرُ الرَّأْسِ الْمُتَفَرِّقُ الشِّعْرِ، وَأَصْلُ التَّرْكِيبِ هُوَ التَّفَوُّقُ وَالِانْتِشَارُ وَالصَّوَابُ مَدْفُوعٌ بِالدَّالِ أَيْ يُدْفَعُ عَنِ الدُّخُولِ عَلَى الْأَعْيَانِ وَالْحُضُورِ فِي الْمَحَافِلِ، فَلَا يُتْرَكُ أَنْ يَلِجَ الْبَابَ فَضْلًا أَنْ يَحْضُرَ مَعَهُمْ وَيَجْلِسَ فِيمَا بَيْنَهُمْ. (" لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ ") أَيْ: عَلَى فِعْلِهِ سُبْحَانَهُ بِأَنْ حَلَفَ أَنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ كَذَا أَوْ لَا يَفْعَلُهُ (" لَأَبَرَّهُ ") أَيْ: لَصَدَّقَهُ وَصَدَّقَ يَمِينَهُ، وَأَبَرَّهُ فِيهَا بِأَنْ يَأْتِيَ بِمَا يُوَافِقُهُ كَمَا وَقَعَ لِأَنَسِ بْنِ النَّضْرِ فِي قَوْلِهِ: وَاللَّهِ لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا بَعْدَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ سَلَّمَ: " كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ " فَرَضُوا أَهْلُهَا بِالدِّيَةِ بَعْدَمَا أَبَوْا عَلَيْهَا.
وَقَالَ الْقَاضِي أَيْ لَوْ سَأَلَ اللَّهَ شَيْئًا وَأَقْسَمَ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَهُ لَمْ يُخَيِّبْ دَعْوَتَهُ، فَشَبَّهَ إِجَابَةَ الْمُنْشِدِ وَالْمُقْسِمِ عَلَى غَيْرِهِ بِوَفَاءِ الْحَالِفِ عَلَى يَمِينِهِ وَبِرِّهِ فِيهَا. وَقَالَ شَارِحٌ: قِيلَ: مَعْنَاهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ بِأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُقْسِمُ عَلَيْكَ بِحَلَالِكَ أَنْ تَفْعَلَ كَذَا، وَلَا يَسْتَقِيمُ هَذَا الْمَعْنَى فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِأَنَّهُ قَالَ: لَأَبَرَّهُ، أَيْ: صَدَّقَهُ، وَلَا مَدْخَلَ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَمِينِ فَيَدْخُلُهَا الْأَبْرَارُ. قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ الْمَعْنَى صَدَّقَ رَجَاءَهُ وَوَافَقَ دُعَاءَهُ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ: وَكَذَا أَحْمَدُ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ، وَأَبِي نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ عَنْهُ بِلَفْظِ: " «رُبَّ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ تَنْبُو عَنْهُ أَعْيُنُ النَّاسِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ» ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute