للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥٢٤٢ - وَعَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ وَالْخَلْقِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ، قَالَ: " «انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ» ".

ــ

٥٢٤٢ - (وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ ") : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ التَّفْضِيلِ أَيْ: زِيدَ عَلَيْهِ (" فِي الْمَالِ وَالْخَلْقِ ") أَيْ: فِي الصُّورَةِ أَوْ فِي الْخَدَمِ وَالْحَشَمِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَنْ هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ حِشْمَةً وَمَالًا وَلِبَاسًا وَجَمَالًا، وَلَمْ يَعْرِفْ أَنَّ لَهُ فِي الْآخِرَةِ وَبَالًا، (" فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ ") بِفَتْحِ اللَّامِ وَيُضَمُّ أَيْ: مَنْ هُوَ دُونَهُ فِي الدُّنْيَا، وَأَقَلُّ رُتْبَةً مِنْهُ مَالًا وَمَنَالًا، وَلَهُ فِي الْآخِرَةِ الدَّرَجَةُ الْعُلْيَا مَآلًا، وَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ حَالَ أَكْثَرِ الْخَلْقِ هُوَ الِاعْتِدَالُ وَلَوْ بِحَسَبِ الْإِضَافَةِ وَالِانْتِقَالِ، فَالسَّالِكُ بِالنَّظَرِ إِلَى حَالِ طَرَفَيْهِ مُحَصَّلٌ لَهُ حُسْنُ الْحَالِ، وَإِيمَاءً إِلَى أَنَّ الْمُفَضَّلَ عَلَى الْخَلْقِ كُلِّهَا مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ مَثَلًا أَوْ فَرْضًا لَا يَنْظُرُ إِلَى مَنْ تَحْتِهِ لِئَلَّا يَحْصُلَ لَهُ الْعَجَبُ وَالْغُرُورُ وَالِافْتِخَارُ وَالتَّكَبُّرُ وَالْخُيَلَاءُ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ بِحَقِّ شُكْرِهِ عَلَى النَّعْمَاءِ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ تَحْتَهُ أَحَدٌ فِي الْفَقْرِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَشُكَّ رَبُّهُ حَيْثُ لَمْ يَبْتَلِهِ بِالدُّنْيَا لِقِلَّةِ غَنَائِهَا وَكَثْرَةِ عَنَائِهَا وَسُرْعَةِ فَنَائِهَا وَخِسَّةِ شُرَكَائِهَا، وَلِذَا كَانَ الشِّبْلِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِذَا رَأَى أَحَدًا مِنْ أَرْبَابِ الدُّنْيَا قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفُوَّ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْعُقْبَى، وَيُنَاسِبُهُ مَا حُكِيَ أَنَّ شَخْصَا مِنَ الْفُقَرَاءِ قَامَ فِي مَجْلِسِ وَاعِظٍ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ، وَشَكَا أَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ كَذَا مُدَّةً فِي الْخَلَا وَالْمَلَا، فَقَالَ الشَّيْخُ: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا يُعْطِي الْجُوعَ الشَّدِيدَ إِلَّا لِأَصْفِيَائِهِ وَخَاصَّةِ أَنْبِيَائِهِ وَخُلَاصَةِ أَوْلِيَائِهِ، وَلَوْ كُنْتَ مِنْهُمْ لَمَا أَظْهَرْتَ هَذِهِ الشِّكَايَةَ، وَلَسَتَرْتَ عَنِ الْخَلْقِ هَذِهِ الْغَايَةَ، وَمُجْمَلُ الْحَالِ وَخُلَاصَةُ الْمَقَالِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا سَلِمَ دِينُهُ مِنَ الْخَلَلِ وَالزَّوَالِ، فَلَا يُبَالِي بِنُقْصَانِ الْجَاهِ وَالْمَالِ وَسَائِرِ الْمَشَقَّاتِ الْكَائِنَةِ فِي الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ، كَمَا رُوِيَ أَنَّ صَاحِبًا لِلْغَزَالِيِّ ضُرِبَ وَحُبِسَ فَشَكَا إِلَيْهِ، فَقَالَ: اشْكُرْ فَإِنَّ الْبَلَاءَ قَدْ يَكُونُ أَعْظَمَ مِنْ هَذَا، ثُمَّ طُرِحَ فِي بِئْرٍ مِنَ السِّجْنِ فَشَكَا إِلَيْهِ وَرُدَّ بِمَا سَبَقَ، ثُمَّ أَتَى بِيَهُودِيٌّ يُسْهِلُ كُلَّ سَاعَةٍ، وَوُضِعَ مَعَهُ مُسَلْسَلًا بِسِلْسِلَتِهِ يَحْتَاجُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَى مُرَافَقَتِهِ وَمُصَاحَبَتِهِ مَعَ ضِيقِ الْمَكَانِ وَظُلْمَةِ الزَّمَانِ وَالْعُفُونَةِ فِي كُلِّ آنٍ، فَشَكَا إِلَى الْإِمَامِ مِنْ ضِيقِ الصَّدْرِ، فَأَمَرَهُ بِالشُّكْرِ وَالصَّبْرِ فَأَجَابَ جَزِعًا أَيُّ بَلَاءٍ أَشَدُّ مِنْ هَذَا الْعَذَابِ؟ فَقَالَ الْإِمَامُ فِي الْجَوَابِ: هُوَ أَنْ يُوضَعَ فِي رَقَبَتِكَ طَوْقُ الْكُفْرِ وَالْحِجَابِ، وَيُسْلَكَ بِكَ عَنْ صَوْبِ الصَّوَابِ. {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: ٨] (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . وَرَوَاهُ أَحْمَدُ. (وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ) ، وَقَدْ خَرَّجَهَا أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْهُ أَيْضًا مَرْفُوعًا. (قَالَ: " «انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْكُمْ» ") أَيْ: دُونَكُمْ رُتْبَةً (" وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ ") أَيْ: مَرْتَبَةً (" فَهُوَ ") أَيِ: النَّظَرُ الْمَذْكُورُ إِثْبَاتًا وَنَفْيًا (" أَجْدَرُ ") أَيْ: أَحَقُّ وَأَوْلَى (" أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ") . أَيْ: بِعَدَمِ الِازْدِرَاءِ وَالِاحْتِقَارِ لِمَا قَسَمَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فِي هَذِهِ الدَّارِ، فَإِنَّهُ يَظْهَرُ لَكُمْ بِذَلِكَ النَّظَرِ أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيْكُمْ نِعَمًا كَثِيرَةً بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ دُونَكُمْ، أَوْ نِعَمًا كَثِيرَةً حَيْثُ اخْتَارَ لَكُمُ الْفَقْرَ وَالْبَلَاءَ، وَجَعَلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْوَلَاءِ، وَشَبَّهَكُمْ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ، وَخَلَّصَكُمْ عَنْ ظُلْمَةِ الْأُمَرَاءِ وَظُلْمَةِ الْأَغْنِيَاءِ الْأَغْبِيَاءِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>