٥٢٧٧ - وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: هَذَا ابْنُ آدَمَ وَهَذَا أَجَلُهُ " وَوَضَعَ يَدَهُ عِنْدَ قَفَاهُ، ثُمَّ بَسَطَ، فَقَالَ: " وَثَمَّ أَمَلُهُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــ
٥٢٧٧ - (وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " هَذَا ابْنُ آدَمَ ") : الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا إِشَارَةٌ حِسِّيَّةٌ إِلَى صُورَةٍ مَعْنَوِيَّةٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ: (" وَهَذَا أَجَلُهُ ") : وَتَوْضِيحُهُ أَنَّهُ أَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى قُدَّامِهِ فِي مِسَاحَةِ الْأَرْضِ أَوْ فِي مِسَاحَةِ الْهَوَاءِ بِالطُّولِ أَوِ الْعَرْضِ، وَقَالَ: هَذَا ابْنُ آدَمَ، ثُمَّ أَخَّرَهَا وَأَوْقَفَهَا قَرِيبًا مِمَّا قَبْلَهُ وَقَالَ: هَذَا أَجَلُهُ. (وَوَضَعَ يَدَهُ) أَيْ: عِنْدَ تَلَفُّظِهِ بِقَوْلِ: هَذَا ابْنُ آدَمَ وَهَذَا أَجَلُهُ (عِنْدَ قَفَاهُ) أَيْ: فِي عَقِبِ الْمَكَانِ الَّذِي أَشَارَ بِهِ إِلَى الْأَجَلِ (ثُمَّ بَسَطَ) ، أَيْ: نَشَرَ يَدَهُ عَلَى هَيْئَةِ فَتْحٍ لِيُشِيرَ بِكَفِّهِ وَأَصَابِعِهِ، أَوْ مَعْنَى بَسَطَ وَسَّعَ فِي الْمَسَافَةِ مِنَ الْمَحَلِّ الَّذِي أَشَارَ بِهِ إِلَى الْأَجَلِ (فَقَالَ: " وَثَمَّ ") : بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ: هُنَالِكَ وَأَشَارَ إِلَى بُعْدِ مَكَانِ ذَلِكَ (" أَمَلُهُ ") . أَيْ: مَأْمُولُهُ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ ظَرْفٌ قُدِّمَ عَلَيْهِ لِلِاخْتِصَاصِ وَالِاهْتِمَامِ، وَخُلَاصَةُ الْعِبَارَاتِ وَالِاعْتِبَارَاتِ أَنَّ هَذِهِ الْإِشَارَاتِ الْمُؤَيَّدَةَ بِالْبِشَارَاتِ الْمُؤَكَّدَةِ بِالْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ الْقَوْلِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ، الْمُطَابِقَةِ لِمَا سَبَقَ مِنَ التَّصَوُّرَاتِ الصُّورِيَّةِ إِنَّمَا هُوَ لِلْإِشَارَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ الْمُنَبِّهَةِ مِنْ نَوْمِ الْغَفْلَةِ الْمُبَيِّنَةِ أَنَّ أَجَلَ ابْنِ آدَمَ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ أَمَلِهِ، وَأَنَّ أَمَلَهُ أَطْوَلُ مِنْ أَجَلِهِ كَمَا قَالَ لِلَّهِ دَرُّ قَوْلِهِ:
كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ ... وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ
هَذَا مَا سَنَحَ لِي فِي هَذَا الْمَقَامِ مِنْ تَوْضِيحِ الْمَرَامِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ، مُمْتَازًا عَنْ سَائِرِ الشُّرَّاحِ الْفِخَامِ: قَوْلُهُ: وَوَضَعَ يَدَهُ الْوَاوُ لِلْحَالِ، وَفِي قَوْلِهِ: وَهَذَا أَجَلُهُ لِلْجَمْعِ مُطْلَقًا فَالْمُشَارُ إِلَيْهِ أَيْضًا مُرَكَّبٌ، فَوَضْعُ الْيَدِ عَلَى قَفَاهُ مَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا الْإِنْسَانَ الَّذِي يَتْبَعُهُ أَجَلُهُ هُوَ الْمُشَارُ إِلَيْهِ، وَبَسْطُ الْيَدِ عِبَارَةٌ عَنْ مَدِّهَا إِلَى قُدَّامَ انْتَهَى الْكَلَامُ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute